بعد أشهر من توتر العلاقات بين باريس وأنقرة وصلت إلى حرب كلامية بين رئيسي البلدين، تواصل رئيس النظام التركي رجب أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً في محادثة مرئية عبر الفيديو، في خطوة قرأها بعض المراقبين على أنها نوع من المراوغة من جانب أنقرة لطي صفحة الخلاف مع باريس وتحسين العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي قبيل القمة الأوروبية التي ستنعقد أواخر شهر آذار الجاري.
وستناقش هذه القمة حزمة جديدة من العقوبات ضد أنقرة، بسبب ملف التنقيب على الغاز في منطقة شرق المتوسط، بما يمكن أن يصل إلى حد إلغاء أو تعليق الوحدة الجمركية بين تركيا والاتحاد الأوروبي وهنا يكمن السر في المساعي التركية للتقارب مجدداً مع الأوروبيين.
كما يرى مراقبون أن أردوغان يعي جيداً أن فرنسا تقود مجموعة الدولة المتشددة تجاه سياسات بلاده، وهي اليونان وهولندا وقبرص، لذلك أصبح يسعى لإيجاد نقاط تفاهم مع باريس من أجل تفادي العقوبات التي يمكن أن تعمق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها أنقرة، خاصة أن البلاد تتجه نحو انتخابات وسط تنامي قوة المعارضة، وعلى رأسها القوى المنشقة عن حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وبالنظر إلى مواقف واشنطن الجديدة تجاه أنقرة يرى مراقبون أن صعود الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السلطة دفع النظام التركي إلى محاولة تحسين علاقاته مع جيرانه الأوروبيين، خشية الوقوع في عزلة دولية.
وكانت تركيا قد كسبت خلال السنوات الماضية حلفاء مهمين داخل الاتحاد الأوروبي، من بينهم ألمانيا وإيطاليا والمجر، لكن هذه الدول لا يمكن أن تمنع إقرار عقوبات ضد أنقرة خاصة أنها سعت خلال الأشهر الماضية لتأجيلها، لذلك أصبح لزاماً على أردوغان التفاوض مباشرة مع خصمه الرئيسي داخل الاتحاد الأوروبي وهو فرنسا، ولأجل هذا يأتي هذا التواصل مع ماكرون.
ولكن رغم هذا التواصل، يبدو أن العلاقات بين باريس وأنقرة لن تكون في أحسن أحوالها على المدى المنظور، بسبب الملفات العالقة بين البلدين، خاصة ما يتعلق بالتدخل التركي في ليبيا وسورية، لكن تبقى العقبة الأكبر، شبكات التأثير التركي الدينية والسياسية داخل فرنسا، التي تجدد الجدل حولها منذ الهجمات الإرهابية الأخيرة التي استهدفت فرنسا في خريف العام الماضي.
وكانت صحيفة “جورنال دو ديمانش” الفرنسية قد نشرت في 6 شباط الماضي، تحقيقاً كشفت فيه عن تقارير أرسلتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية الداخلية والخارجية إلى ماكرون، تتحدث عن تسلل تركي على نطاق واسع، داخل المجتمعات الأوروبية، كما تحدثت عن الأهداف الإستراتيجية التي تقف خلف هذا التسلل الذي انطلق من أنقرة عبر شبكات تديرها السفارة التركية وجهاز الاستخبارات التركي.