الزواج المبكر ظاهرة تعود إلى الواجهة.. لهذا السبب..؟

 

عادت لتظهر من جديد ظاهرة الزواج المبكر التي أخذت تتسع وتمتد، فلا يكاد يأتي يوم إلا نسمع فيه أن إحدى الفتيات لا تبلغ الرابعة عشرة من عمرها قد تقدم لها شاب يريد الزواج منها، والأهل طبعاً سيوافقون بلا تردد.
فأمس سمعت بأن جارتنا قد زوجت ابنتها البالغة من العمر 16 عاماً وعلّلت ذلك بالقول: إن الوضع الاقتصادي فرض عليّ تزوجيها، فهي على حد قولها لم تعد تقوى على تربية خمس بنات يحتاجون إلى المأكل والمشرب، ولا تملك سوى راتب زوجها المتوفي.
د. غنى نجاتي اختصاصية الصحة النفسية ترى أن البعض يظن بأن الزواج هو مجرد حفلة زفاف فاخرة وارتداء فستان أبيض خيالي التصميم واستقبال التهاني من الأصدقاء والأقرباء، يتبعها كلام معسول على أنغام الوتر وضحكات بريئة لا تنتهي، بينما على أرض الواقع هو حياة تشاركية بكل تفاصيلها السلبية والإيجابية، فالزواج مرحلة مليئة بالتحديات والصعوبات الحياتية، والتي يتطلب حلها نضجاً عقلياً وتكيّفاً نفسياً من كلا الزوجين.
وجميعنا نعرف أن القاصر هو الذي لا يتحمل المسؤولية القانونية وبحاجة لوصي عليه، فبأي حق يقوم المجتمع باستغلال طفلة قاصرة ويزوجها ويطلب منها أن تكون زوجة ناجحة وأماً متفهمة ناضجة، فزواج الفتيات القاصرات يعتبر انتهاكاً مباشراً لحقوق الإنسان والطفل، وفي بعض الدول الغربية يعتبر تحرشاً جنسياً بالأطفال، لأنه يسلبهم حريتهم في المجتمع المدني، ويسرق منهم متعة التعليم، ويجبرهم على هجرة أحلام الطفولة الوردية والدمى الجميلة، ليرمي بهم في مسؤوليات ومشكلات أسرية واجتماعية تفوق قدراتهم المعرفية على إدراكها.
الطفلة القاصرة تحت عمر ١٨ سنة لم يكتمل نموها العقلي، ولاتزال قيد النمو النفسي والاجتماعي والمعرفي، حيث تؤكد الدراسات التشريحية لعلوم الدماغ أن هناك العديد من المراكز المعرفية في شبكية الدماغ لا يتم ظهورها قبل سن ٢٥ سنة تقريباً، مثل مركز اتخاذ القرارات، لذلك نجد العديد من المراهقات والأطفال يشعرون بالندم والرغبة بالتراجع عن قراراتهم، وهذا ما يفسر عدم اتزان المراهقين والأطفال، ووصفهم بأنهم هوائيو المزاج ومتقلبو الأفكار والأحكام، وذلك بسبب عدم اكتمال نمو مركز اتخاذ القرارات في الدماغ.
ولا يقتصر الأثر السلبي على زواج القاصرات، بل يشمل الأثر السلبي لجميع أطراف الزواج، كالأسرة الممتدة والأطفال، فالطفلة الزوجة ستعاني من انخفاض واضح في مستوى الصحة النفسية والعقلية والجسدية، حيث يؤدي حرمانها من مرحلة الطفولة المتأخرة وفترة المراهقة إلى منعكسات خطرة، مثل إصابتها بالاكتئاب والتبلد الوجداني، والقلق الشديد وعدم الاتزان الانفعالي، وتقلبات حادة بالمزاج وانخفاض الثقة بالنفس، وفقدان الإحساس بالمتعة، ووجود نوبات غضب يتبعها شعور غير مبرر بالذنب والألم النفسي، كما تصاب الزوجة الطفلة بأمراض عضوية متعددة، مثل اضطراب الدورة الشهرية وزيادة احتمال الإجهاض المبكر، وحدوث نزيف متكرر قد يؤدي لمضاعفات توصل للوفاة.
وبالنسبة للزوج سيعاني من سوء توافق زواجي وعاطفي، وستكون حياته خالية من الاستقرار النفسي، لعدم قدرة الطفلة الزوجة على تفهم المعنى الحقيقي للزواج وبناء الأسرة، ما يرفع احتمالات الطلاق والخيانات، وارتفاع نسبة العنف المنزلي على الزوجة الطفلة وأطفالها ، ولعل التفسير السيكولوجي لاستمرار حالات الزواج المبكر هو بعض العادات الاجتماعية المتخلفة، التي تصرح أن ارتفاع عمر الفتاة سيقلل من فرصة زواجها الجيد، وأن الأنثى عالة اقتصادية وعبء اجتماعي يجب تدبيره وستره بالزواج المبكر، ولا فائدة من تعليمها وإضاعة المال على شهادتها وثقافتها، ونجد العديد من الأمثال الشعبية والأعراف المتوارثة التي تعزز ذلك مثل (المرأة قبرها زوجها ) وكذلك جهل وفقر المجتمع بخطورة آثار الزواج المبكر، وامتداد تأثيره السلبي على كل المجتمع، فهو يزيد من انتشار الأمراض والاضطرابات النفسية ما يضعف بنية المجتمع وتماسكه ويؤخر من إنتاجه وازدهاره.
الحقوقية جولييت ضائع المختصة بالدراسات والأبحاث القانونية بينت أنه لابد للقانون أن يتصدى لظاهرة الزواج المبكر، حيث جاء تعديل قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 للعام 1953بالقانون رقم /4/ للعام 2019 لبعض مواده ملبيّاً لبعض متطلبات حماية الصغيرات من تزويجهن بسن مبكرة، فعلى سبيل المثال جاءت المادة/16/ {معدلة} والتي تنص على: تكمل أهلية الزواج في الفتى والفتاة بتمام الثامنة عشرة من العمر، كما تصدى القانون لظاهرة إجبار الولي للفتاة على الزواج بمن لا ترغب به، وجعل عقد الزواج متوقفاً على موافقتها بعد معرفتها، حيث نصت المادة /21/ {معدلة} الفقرة (ب) منها على: إذا زوج الولي الفتاة بغير إذنها ثم علمت بذلك كان العقد موقوفاً على إجازتها صراحة.

كما شدد القانون على إجراء عقد الزواج في المحكمة للقضاء على ظاهرة الزواج العرفي، سعياً منه لإلزام الأطراف بشروط عقد الزواج المقررة قانوناً، ومن ضمنها إتمام الثامنة عشرة، حيث أشار إلى إمكانية تثبيت عقد الزواج في حالة الحمل الظاهر مع إيقاع العقوبة القانونية بحق المخالفين للقانون، فنصت المادة /40/ {معدلة} ويقدم طلب الزواج لقاضي المنطقة مع الوثائق الآتية: صورة مصدقة عن قيد نفوس الطرفين وأحوالهما الشخصية وشهادة من طبيب يختاره الطرفان بخلوهما من الأمراض السارية ومن الموانع الصحية للزواج، وللقاضي التثبت من ذلك مع رخصة بالزواج للعسكريين العاملين المتطوعين فقط مع موافقة وزارة الداخلية إن كان أحد الزوجين أجنبياً، ولا يجوز تثبيت الزواج المعقود خارج المحكمة إلا بعد استيفاء هذه الإجراءات، على أنه إذا حصل ولد أو حمل ظاهر يثبت الزواج بدون هذه الإجراءات ولا يمنع ذلك من إيقاع العقوبة القانونية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار