انتهت اللعبة..
عانى العالم، ولا يزال، من سلوكيات وسياسات الولايات المتحدة، سواء في عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب الذي رفع شعار “أمريكا أولاً” أو في عهد الرئيس الحالي الديمقراطي جو بايدن وشعاره “عودة أمريكا”.
الأول مهّد تربة خصبة لنمو العنصرية والشعبوية والتطرّف، ليس في أمريكا فحسب، وإنما في أوروبا الحليفة والعالم.
والثاني عاد بشكل انتقائي، عن بعض قرارات سلفه، بهدف تلميع صورة أمريكا وإعادة تسويقها لدى العالم، من دون تغيير جذري في سياسات أمريكا الإستراتيجية..
ما يجري اليوم تكتيك ممنهج ومدروس لتحصيل المكاسب نفسها ولكن بطريقة دبلوماسية، ويأتي السلوك الأمريكي الجديد بعد مضي سنوات ترامب العجاف على كل العالم بشرقه وغربه وشماله وجنوبه، عاش العالم تلك الفترة على صفيح ساخن.. بدءاً من ساحات أمريكا الخاصة وعسكرة أنصار ترامب المتطرّفين والمدججين بكل أنواع الأسلحة، واقتحام مبنى “الكابيتول” خير شاهد.. مروراً بالجدار مع الجارة المكسيك، وإغلاق الحدود مع الجارة كندا، وفرض قيود وضرائب على مواطنيها ومنتجاتها.. والعداء المشهود والموصوف للقارة العجوز مجتمعة، ولاتحادها ووحدتها وحتى لـ”ناتو” كحلف عسكري.. والسخرية من قادتها على المنابر، وصولاً إلى دعم كيان الاحتلال الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية، عبر كل الطرق، من نقل سفارة واشنطن إلى القدس المحتلة، وقطع المساعدات عن “أونروا”، ودفع مشيخات في الخليج العربي.. وممالك في المغرب العربي للتطبيع مع “إسرائيل”.. ناهيك عن تسخين الأجواء والحدود والبحار مع دول محور المقاومة، لافتعال الأزمات، والتلويح بالحرب، فيما الهدف الأبعد حلب “ضروع جديدة” من ممالك الرمال والتيه.
هذه التطورات المتلاحقة دفعت بأوروبا حليفة واشنطن، للتقرب على استحياء إلى الجارة الروسية، العملاق العسكري والاقتصادي الحاضر بقوة، خاصة بعد نجاح وصول خطي الغاز «نورد ستريم1» و«نورد ستريم2» إلى قلب أوروبا وبأسعار أقرب للمجانية والتي تعارضها أمريكا بكل السبل.
وهذا ليس كل شيء، بل مغازلة الصين القوة الاقتصادية والعسكرية والإنسانية هي الأخرى، التي باتت منافسة لأمريكا ليس في أوروبا وإنما في دول مجاورة لأمريكا.. بل تعدى هذا حتى عملت بعض المشيخات والممالك في المنطقة العربية على مغازلة روسيا والصين معاً.. وإيصال رسائل إلى أمريكا، وهذا ليس نابعاً من تغير موقف هذه المشيخات من الإدارات الأمريكية، فهي أعجز من أن تقدم على هذا، وإنما تغير الموقف الأمريكي الواضح والصريح رغم كل ما قدمت وتقدّم هذه الممالك والمشيخات من أتاوات، وعقد صفقات سلاح وهمية، ومن رفد الخزينة الأمريكية، ومغازلة الكيان الصهيوني على حساب الأشقاء والأصدقاء والجيران وحتى على حساب قضية العرب المركزية أي القضية الفلسطينية.
إذاً، هذه هي السياسة الأمريكية بوجهيها الديمقراطي، والجمهوري، لكنهما وجهان لعملة واحدة..
بايدن يعمل اليوم بمنطق الخبث الأمريكي المعهود وبسلاسة لتمرير الصفقات، واختيار الملفات التي تساهم بنهب أموال وثروات الشعوب، وهو نفس سلوك سلفه ترامب الذي كان فظاً غليظاً، الذي أمر جهاراً نهاراً بتحصيل أموال من خزائن مشيخات وممالك الخليج، بحجة حماية هذه العروش مما يسمى “الخطر الإيراني”.
خلاصة القول: الدولة العميقة في أمريكا هي من ترسم وتخطط وتنفذ وما على الرئيس -سواء أكان ديمقراطياً أم جمهورياً- سوى التنفيذ، مع هامش مناورة صغير، وهذا بات معروفاً لدى كل دول وشعوب العالم..
اليوم خطط أمريكا باتت مكشوفة، وانقلب السحر على الساحر، ما دفع الكثير من الدول للنزول من القافلة الأمريكية، إجراء -وإن جاء متأخراً كثيراً- لكنه يصب في مصلحة الدول التي تعمل من أجل عالم خالٍ من الهيمنة الأحادية كروسيا والصين، عالم يناصر القضايا الدولية والعربية المحقة، وفق مبادئ القانون الدولي.
هذا التحول، نصر مبين لمحور المقاومة، بعد كل هذا الصبر والصمود والتضحية، بمواجهة الغطرسة الأمريكية– الإسرائيلية وخنوع بعض العربان وانخراطهم في مشاريع واشنطن وحلفائها.