ما بعد دراسة الحقوق .. هل تكفي سنتا التمرين لتأهيل محامٍ ناجح؟
يتخرج كل سنة في كليات الحقوق مئات الطلاب، والخريج الذي يريد أن يمارس هذه المهنة عليه التدريب عند محام أستاذ مدة سنتين، والخضوع لامتحانات ليست سهلة ليحصل على لقب الأستاذ لممارسة المهنة.
نقيب المحامين في سورية الفراس فارس قال لـ”تشرين”: في ضوء قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 30 لعام 2010 نصت المادة 25 منه على أن مدة التمرين سنتان، مؤكداً أن فترة التمرين مهمة جداً لخريج المحاماة، يتعلم فيها ويتأهل ويتعرف على المحاكم والقضاء، ويأخذ طريقه بهذا العالم القانوني، فالتزامه بمكتب الأستاذ المدرب وبالدوام يعطيه تأهيلاً جيداً لمتابعة مسيرة مهنته، إضافة للحضور معه، علماً أن فروع النقابة تجري جلسات تدريب وتمرين ومحاضرات للمتمرنين ينبغي على المحامي المتمرن حضورها ومتابعتها، إضافة لذلك هناك الجهد الشخصي الذي يقع على عاتق المحامي المتمرن في المتابعة والقراءة والاطلاع على القوانين والجرأة بالسؤال.
وأشار إلى أن المتمرن يقدم في نهاية فترة التمرين بحثاً قانونياً، ويتقدم لاختبار علني أمام مجلس الفرع ليتم نقله إلى جدول المحامين الأساتذة، علماً أن هناك عدداً كبيراً ينهي فترة التمرين بمستوى جيد، وعدد أقل تقرر لجنة الاختبار مجلس الفرع تمديد مدة التمرين لشهر أو شهرين ليتمكن من التحضير بشكل أفضل ليجتاز الاختبار بنجاح.
في سؤالنا فيما إذا كانت النقابة حالياً وبما تشهده من تحديث وتطوير لآلية عملها ونظمها وبيئتها التشريعية هل سيعاد النظر بالمنهاج العام الموحد لنظام التمرين الصادر بقرار المؤتمر العام رقم 32 تاريخ 29 -6-1992 والمعدل بقرار المؤتمر العام رقم 5 تاريخ 18-5-2003 أجاب فارس: نظام التمرين يطرأ عليه تعديلات وقابل للتحديث والتطوير ضمن خطة النقابة وهو جزء من اهتمامنا، ونحن مع أن يصبح النظام متطوراً أكثر وآليات العمل أفضل، خاصة بعدما تزايدت المطالبات بتحويل فترة التمرين من شكلها الحالي المعتمد إلى النمط الأكاديمي المنظم أسوة بتجربة المعهد العالي للقضاء الذي قدم نموذجاً رفيعاً لإعداد كوادر قضائية وتدريبية.
الشرائح المعفاة من التمرين
نصت المادة 26 من القانون رقم 30 الشرائح المعفاة من التمرين .. فهل يوجد توجه من النقابة من باب العدل وتأمين بيئة عمل جاذبة لتشميل الحقوقيين الذين مارسوا الوظيفة العامة لمدة معينة بالإعفاء أو على الأقل تخفيض مدة التمرين من سنتين إلى سنة على اعتبارهم اكتسبوا الجانب العملي، وفي ذلك يقول نقيب المحامين: أنا شخصياً مع هذا الكلام وأقصد الحقوقيين العاملين في الدولة – وفي القطاع الخاص – والحقوقيين ضباط الشرطة والجيش بأي وظيفة حكومية مع أن يكون لهم احتفاظ بحقهم في التسجيل عند انتهاء خدمتهم أو وظيفتهم أو عملهم مقابل الالتزام مع النقابة خلال السنوات برسم معين يدفعه عن كل سنة، وذلك بتنظيم قيد جدول يسجل فيه الحقوقي الذي لا يمارس المهنة، وهو أمر بحاجة لتعديل تشريعي.
المحامي الأستاذ ناصر محمد عنقه يشرح لنا معنى سنتي التدريب فيقول: كل خريج حقوق تتوافر فيه الشروط القانونية المسموحة للتسجيل في نقابة المحامين يتقدم بطلب إلى النقابة من أجل التسجيل، وفي هذه المرحلة نقول إن خريج الحقوق بدأ بمسيرة المحاماة، وما قبل – حسب الأستاذ عنقة – اسمه خريج كلية الحقوق.
مضيفاً: باعتقادي مدة السنتين غير كافية للتمرين، حيث إننا يمكن أن نتوسع بمفهوم التمرين في مكتب المحامي الأستاذ على أنه جزء من التمرين الحقيقي المنصوص عنه في القانون، الذي يتشارك فيه مكتب الممرن وأقصد “الأستاذ الذي يقبل التمرين” بالإضافة إلى نقابة المحامين الذي لها الجزء الكبير من دورها في التمرين “طبعاً هذا في نص القانون”.
وفي سؤال للمحامي عنقه إذا كان يحق لخريج الحقوق أن يعمل في الدولة، وأن يتمرن عند محامي أستاذ قال: بالمطلق إن كان متمرناً أو غير متمرن لا يجوز أن يجمع المحاماة مع أية مهنة أخرى لذلك لا يحق له أن يجمع مع المحاماة عملاً في القطاع العام ولا في الخاص، أما إذا كان خريجاً وموظفاً في القطاع الحكومي وأحب أن يمارس مهنة المحاماة فعليه أن يتدرب سنتين، بعد أن يستقيل ويأتي إلى التمرين إذا توافرت فيه الشروط التي تحددها النقابة، ولكن من أحد الشروط أن يكون لديه مكتب يقبل أن يكون متدرباً فيه، هنا يقدم طلباً إلى النقابة مرفقاً بموافقة الأستاذ الذي سيتدرب عنده.
فالقانون وضع شروط الأستاذ، وهي أن يكون محامياً منذ أكثر من سبع سنوات، ويكون مكتبه مجهزاً بشكل يستضيف فيه المتمرن، أما بالنسبة للمرتبة العلمية أن يكون دكتوراً بالقانون، فهي مسألة خاصة بالمحامي نفسه ولا تغير من توصيفه كأستاذ.
وفي رده على أن الناس تلجأ إلى معقب المعاملات أكثر من المحامي يقول عنقه: لجهلها أولاً، وتالياً المشكلة في مجتمعنا أننا نعيش الوهم أكثر من الحقيقة، بالمقابل كل شخص يحترم بمهنته ومعقب المعاملات مساعد لعمل المحامي وليس بديلاً، فالمحامي ربما لأن ليس لديه وقت، لذلك قد يحتاج إلى المعقب لإحضار قيد مالي أو عقاري أو متابعة إجراء معين إدارياً ولكن معقب المعاملات لا يستطيع أن يقوم بدور المحامي.
المحامي المتمرن رضوان الدرع تحدث عن الصعوبات التي واجهتهم منذ لحظة التخرج والانتساب للنقابة في البحث عن أستاذ لديه باع طويل في المهنة، ومكتب تتوفر فيه الشروط، وشرح المتمرن الصعوبة التي يعانيها زملاؤه المتمرنون في مكاتب أخرى، من حيث عدم استفادتهم أو تعلمهم لعدة أسباب، كقلة الدعاوى في مكتب المحامي الأستاذ، أو قد لا يتعلم المتمرن في مكتب أستاذه إلا الأعمال الإدارية التي لا تفيده، أضف لذلك فإن المتمرن لا يستطيع أن يعمل بسبب دوامه في المكتب صباحاً ومساءً، وتالياً القانون لا يسمح له بذلك.
تجربة العمل في الدولة
الحقوقية جوليت ضائع تعمل في القطاع الحكومي أشارت إلى الخيارات العلمية المتاحة أمام الحقوقي المجاز، وكيف يستطيع المفاضلة بينها ضمن المعطيات المجتمعية والاقتصادية السائدة، فعلى الرغم من أن دراسة الحقوق في مجتمعاتنا العربية لا تجد الاهتمام الكافي من الطلبة والطالبات، إلا أنه في حقيقة الأمر دراسة القانون تُعد من أهم وأدق التخصصات العلمية، التي لا غنى عنها بأي حال من الأحوال، بل إن دراسة القانون تُعد من المجالات العلمية المرموقة في الدول المتقدمة، فالخريج يتمكن من الالتحاق بعددٍ من الأعمال والوظائف ذات الصلة، كالتسجيل في نقابة المحامين لممارسة مهنة المحاماة، أو الالتحاق بكلية الشرطة للتخرج كضباط في قوى الأمن الداخلي، أو الانتساب لدورة المعهد القضائي للتخرج كقاض يمارس مهنة القضاة ، والعمل في وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي، والتعيين في الوظيفة العامة في شتى مجالات القطاع العام، وهناك خيار التعيين كعضو من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة بعد حصوله على درجتي الماجستير والدكتوراه في الحقوق، أو العمل لدى شركات القطاع المشترك والخاص في شتى المجالات أو استشاري لصالح القطاعين العام والخاص.
ورغم تعدد هذه المجالات إلا أن الخريج حاله كحال جميع الخريجين من الفروع الجامعية الأخرى يصطدم بواقع سوق العمل، والظروف الاقتصادية العامة، ومنعكسات الحرب على الوطن بشكل عام، وتبقى الوظيفة العامة هي الوجهة الرئيسية للخريجين، فالأغلبية تفضل الحصول على دخل شهري ثابت، ولو كان محدوداً على أن تتجه إلى ممارسة المهنة بسبب اشتراط التمرين لمدة تعتبر طويلة نسبياً لخريج ليس لديه مورد دخل.
ولدى سؤال ضائع عن أهمية وجود حقوقيين في الوظيفة العامة وهل يحقق التدرج في السلم الوظيفي آمال الحقوقيين مادياً ومعنوياً؟ أم يبقى خيار الانتساب إلى مهنة المحاماة مطروحاً قالت: إن جميع الجهات العامة الوزارات ومؤسسات القطاع العام تحتاج إلى متخصصين في الشؤون القانونية، من أجل تسيير أمور وقضايا المؤسسة، وينطبق ذلك على جميع المجالات الخاصة بالقطاع العام من دون استثناء، وممارسة الأعمال القانونية الصرفة في الجهات العامة لا يأتي من دون جهد وتعب؛ بل على كل خريج من خريجي كلية حقوق أن يعمل جاهداً ليُصقل مهاراته وخبراته، وألا تقتصر معرفته على قوانين وطنه فقط؛ بل عليه أن يتطلع أيضاً للتعمق أكثر في دراسة القانون الدولي، والقوانين السائدة في مختلف بلدان العالم، بالإضافة إلى صقل قدراته باللغة الأجنبية إذا كانت طبيعة عمله تتطلب البحث والمقارنة مع الأصول الفقهية والتشريعية أثناء إعداد الأبحاث المنوطة بعمله.
عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق د. هيثم الطاس ورداً على عدم وجود ساعات عملي في الكلية أجاب: العارض بيننا وبين العملي بالنسبة لكلية الحقوق هو العدد الكبير للطلاب، وتالياً العدد في كل سنة دراسية لا يقل عن 3000 طالب وطالبة، وإذا أردنا أن نطبق العملي فيجب أن يكون لدينا تشعيب، وفي الشعبة يكون أقصى حد 50 طالباً حتى ينجح العملي، ويكون فعالاً، والمحكمة الافتراضية سنقوم بتفعيلها ضمن الكلية، وإحضار حالات عملية، وكل يأخذ دوره، وكأنها محكمة حقيقية فيها محامون وقضاة، وحالة عملية “تمثيل على أرض الواقع”، والطلاب في هذه الحالة حصلوا على حصة عملية، وهناك فكرة جديدة للتعاون مع نقابة المحامين ووزارة العدل برفد الكلية، ليعطوا الجانب العملي الذي نحاول إدخاله في السنوات الأولى والثانية، ولكن من سيأتي لإعطاء العملي سيصطدم بالتعويضات الزهيدة التي لا تتناسب مع الخبرة والمكانة للمحامي أو الخبير القانوني.