أوقات طويلة يمضيها الأطفال والمراهقون أمام الأجهزة والألعاب الإلكترونية، من دون وعي في كثير من الأحيان من قبل أولياء الأمور بمخاطر هذه الأجهزة على صحتهم الجسدية والعقلية، بل على العكس يعدّ البعض أن وجود هذه الأجهزة بين أيدي أطفالهم نوع من المفاخرة أمام الأصدقاء، والبعض الآخر يرى في ذلك وسيلة ناجعة لإلهاء الأولاد وشراء صمتهم ليتسنى لهم متابعة وسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز أو لضمان عدم مقاطعة جلساتهم مع الأصدقاء والأقارب.
تحت الضغط
السيدة لمى أم طفلين تتحدث عن ولع أولادها بهذه الأجهزة وبأنها رضخت لمطالبهم بشراء جهازي «تاب» حتى لا يستمر التشاجر على جهاز واحد ولا تنكر التأثير السلبي لهذه الأجهزة والألعاب على أطفالها، فهم دوماً في حالة نشاط مفرط وعصبية وتعبيرات غير مفهومة وميل للانعزال، لدرجة شعرت بأنهم مصابون بالتوحد.
أما حسام فيؤكد أنه غير مقتنع باقتناء ابنه البالغ من العمر /12/ عاماً جهاز الموبايل، لكنه أمام إلحاح الولد المستمر بأن جميع أهالي أصدقائه يسمحون لهم باستخدام هذه الأجهزة قرر أن يشتري له جهازاً كي لا يشعره بالنقص أمام الآخرين من أبناء جيله.
ضحايا الإدمان
الدكتور ثائر حيدر الاختصاصي بالطب النفسي يؤكد أن هناك حالات كثيرة ترتاد عيادات الطب النفسي وهم ضحايا الإدمان على الأجهزة والألعاب الإلكترونية، مبيناً أن قضاء ساعات طويلة لدى الأطفال والمراهقين على هذه الأجهزة هو حالة نفسية منتشرة في كل دول العالم، وبأن تصنيف الإدمان لم يعد مقتصراً على المخدرات والكحول، بل دخل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في المراجع الطبية.
وقال: هذا النوع من الإدمان قد يكون سبباً وقد يكون نتيجة لمرض نفسي، بمعنى أن المراهق أو الطفل ربما يعاني بالأساس من نقص الثقة بالنفس أو الخجل المرضي والرهاب الاجتماعي ولا يميل للمشاركة بالنشاطات الاجتماعية، فيلجأ إلى الانعزال بتمضية الوقت الأكبر على هذه الألعاب، مضيفاً بأن السبب يكون أحياناً ضعف الرقابة وعدم الاكتراث كيف يمضي الأبناء أوقاتهم، فيغرقون بهذا العالم الخاص، ولا سيما في الأسر التي يكون عددها كبيراً وفيها خلافات عائلية مستمرة أو فيها أحد الوالدين مسافر.
إيجابيات وسلبيات
تتصدر الألعاب الإلكترونية المرتبة الأولى من بين اهتمامات الأطفال والمراهقين، ما يستدعي السؤال عن ماهية هذه الألعاب وتأثيرها على سلوكيات الأطفال وقدراتهم العقلية؟.
يجيب الدكتور حسام سليمان الشحاذة الاختصاصي النفسي والتربوي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن الألعاب الإلكترونية لها تأثيرات إيجابية و سلبية، وتنحصر إيجابيتها بالألعاب التي تصمم لتنمية الذكاء والقدرات المعرفية وزيادة التحصيل الدراسي، إذ تصمم من قبل متخصصين بالعلوم التربوية عبر التطبيقات المرئية السمعية والبصرية، وتكون لها أهداف تنموية لزيادة الذخيرة المعرفية للطفل، خصوصاً في السنوات الأولى من حياته، مؤكداً أن التعلم باللعب هو توجه جديد في التعلم، ومعتمد من قبل مدارس علم النفس على المستوى العالمي.
أما عن التأثيرات السلبية للألعاب الإلكترونية فتتمثل في المخاطر الناجمة عن ممارسة الألعاب التي تهدف إلى التسلية فقط، من دون أن يكون لها أي هدف تربوي، لافتاً إلى أن بعض الألعاب الإلكترونية تحمل رسائل مُبطنة وغير مباشرة لتتسلل إلى العقل اللاواعي للطفل أو المراهق لتحريضه على ممارسة العنف، أو استساغة رؤية الدم أو حمل السلاح أو إيذاء الآخرين، فعلى سبيل المثال لوحظ مؤخراً انتشار لعبة حرب الشوارع المعروفة بين عدد كبير من الأطفال واليافعين باسم لعبة (بوبجي PUBJ BOMILE)، حيث تبين لنا من تحليل محتوى هذه اللعبة، وما تتضمنه من رسائل سمعية وبصرية ومشاهد فيديو، أنها تهيئ الطفل أو المراهق لتقبل مناظر التخريب والتهديم، ورؤية الدماء، وقتل الآخرين بسهولة، إطلاق الرصاص، وأصوات المدافع التي تجعل الطفل أو المراهق في حالة نفسية وانفعالية متوترة ومستعدة لممارسة السلوك العدواني تجاه الآخرين، وهي تصور المقاتلين في اللعبة على أنهم أبطال حين يقومون بقتل الآخرين، وهنا يشعر الطفل أو المراهق – وهو متوهم بالطبع – بأنه بطل، وهو في الحقيقة يمارس فعلاً إجرامياً في واقع افتراضي، ومن المحتمل أن يمارس تلك الأفعال الإجرامية في الواقع الحقيقي، بالتزامن مع غياب الرقابة الأسرية.
أضرار صحية
وأشار الشحاذة إلى الأضرار الصحية الأخرى الناجمة عن هذه الألعاب كضعف النظر، وتراجع حاسة السمع بسبب الأصوات المرتفعة لتلك الألعاب الواردة من السماعات ومضخمات الصوت، والسمنة الزائدة، أو إصابات العامود الفقري بسبب الجلوس فترات طويلة وبوضعيات غير سليمة خلال اللعب، بالإضافة إلى مشكلات الأرق واضطرابات النوم والقلق والتوتر المستمرين بسبب الخسارة في إحدى مراحل اللعبة، وضعف الانتباه والتركيز، والشعور شبه المستمر بالصداع النصفي.
ويتابع الشحاذة: إن التأثيرات السلبية لتلك الألعاب الإلكترونية لا تقف عند حدود السيطرة على العقل والإدمان على اللعبة فحسب، بل قد تؤثر سلباً على القدرات المعرفية والعقلية للطفل أو المراهق، ولاسيما إذا مورست لوقت طويل يومياً، وقد تؤدي في كثير من الأحيان إلى بلادة السلوك، والتأثير سلباً على قدرة الطفل أو المراهق على استيعاب المقررات الدراسية، ومن ثم تأخر التحصيل الدراسي لديه مقارنة بالأقران الآخرين في المدرسة.
دراسات حبيسة المكتبات
ورداً على سؤال حول عدد الدراسات والبحوث التي أجريت في سورية حول تأثير الألعاب الإلكترونية على سلوك الطفل بيّن الشحاذة أن كم الدراسات وتحديداً في الجامعات السورية هو كمّ مقبول، وكان منها دراسات وصفية تم فيها استطلاع آراء المعلمين وأولياء الأمور والمرشدين النفسيين وغيرهم من المهتمين، بالإضافة إلى دراسات تجريبية أخرى أجريت في مدارس التعليم الأساسي، إلا أن تلك الدراسات ظلت حبيسة رفوف المكتبات في كل جامعة، ولم تأخذ الفرصة المناسبة لترى النور في الواقع التطبيقي ضمن المجال التربوي والتعليمي بالرغم من أهمية نتائجها، فلا توجد إرادة حقيقية لدى الجهات الحكومية أو الأهلية للاستفادة من تلك البحوث والدراسات في الواقع الميداني، رغم أن الاستعانة بتلك الدراسات لا يكلف أي ميزانيات مالية، ولا يتطلب خبرات معمقة لنقلها إلى الواقع العملي.
نصائح ذهبية
قدم الشحاذة جملة من النصائح لتفادي ضرر الألعاب الإلكترونية على رأسها تفعيل الرقابة الأسرية على نوع الألعاب الإلكترونية التي تقع بين يدي الطفل أو المراهق، ولاسيما التي تحرّض على العنف، واتباع أسلوب الحوار والمناقشة والابتعاد عن السلطوية وفرض الرأي، باعتبار أن تلك الألعاب الإلكترونية غدت واقعاً مفروضاً، وأن أساليب التربية بالنهي والإلزام لم تعد مجدية مع جيل اليوم من الأطفال والمراهقين، وتفعيل دور وسائل الإعلام لتوعية أولياء الأمور لأهمية توجيه الأبناء نحو مخاطر الألعاب الإلكترونية.
ودعا وزارة التربية للقيام بحملات توعية لزيادة وعي أولياء الأمور لتوجيه (الأطفال والمراهقين) نحو فوائد ومخاطر الألعاب الإلكترونية، وأهمية ملء وقت فراغ الأولاد بممارسة هوايات أو نشاطات هادفة، وتفعيل دور الأندية الصيفية ومنتديات التعليم، بدلاً من استهلاك الوقت لممارسة الألعاب الإلكترونية غير الهادفة.