“هديةُ” ترامب إلى بايدن

حاولت الإدارة الأمريكية الحالية، وحتى قبل ممارسة صلاحيتها، إظهار خلافها السياسي مع سابقتها، ولكن في الحقيقة هي استمرار للنهج القديم مع تغييرٍ في الأساليب والطرق وترتيب الأولويات.

ولتأكيد ما سبق، فقد تقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن سريعاً “هدية” سلفه دونالد ترامب المتمثل بتقرير الاستخبارات الأمريكية بشأن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول 2018، والذي يؤكد أن عملية الاغتيال تمت بأوامر وإشراف وليّ عهد النظام السعودي محمد بن سلمان، فالتقرير ليس جديداً، وتورط ابن سلمان كان معروفاً في عهد ترامب.

إن الضغط الذي تمارسه إدارة بايدن تجاه وليّ العهد السعودي ليس معناه وجود تغيير في العلاقة الأمريكية- السعودية، فواشنطن لا تريد قطيعةً مع السعودية، بل إعادة ترتيب العلاقات لتصبح أكثر انسجاماً مع المصالح الأمريكية، على حد تعبير وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، لكن إظهار التقرير معناه أن ورقة ابن سلمان احترقت، وواشنطن اليوم في طور البحث عن دمى جديدة، لكن في الإطار السعودي ذاته، وإلى حين إيجاد البديل المناسب أمريكياً فنحن أمام حلقة من حلقات الابتزاز الأمريكي واستمرار “حلب البقرة ” تماماً كما كان يفعل ترامب.

ما تريده واشنطن هو تنفيذ أجنداتها، وهي “مرتاحة” البال، أي تريد مَن يقوم عنها بالمهمة بـ”نظافة”، فابن سلمان الذي ترعاه واشنطن عليه الكثير من الانتقادات، وغير ذلك فهو عامل توتير، كما أن الضغط الأمريكي عليه في هذه المرحلة قد يرتبط بسياق الملفات الإقليمية، فالنظام السعودي ووليّ عهده ينحوان باتجاه التصعيد، بينما تحاول أمريكا تسويات ظاهرية في ملفات عدة.

المعطيات التي رافقت الكشف عن التقرير تعرّي الخداع الأمريكي، فواشنطن تريد التضييق على ابن سلمان، حتى الإجراءات الأمريكية بحقّه أتت مثيرة للسخرية.

والسؤال الذي يطرح نفسه أن بايدن أبلغ النظام السعودي أنه ستتم محاسبة الرياض على “انتهاكات حقوق الإنسان”، فكيف ستتم المحاسبة، وبأي صورة، وما الإجراءات التي ستُتخذ؟

هنا سيتضح حجم النفاق الأمريكي، فحقوق الإنسان ستكون عنواناً عريضاً لا يبحث التفاصيل، وعليه ماذا بخصوص مناطق سعودية بأكملها تتعرض لانتهاكات جسيمة، وماذا عن الحرب المدمرة على اليمن..؟

انتهاكات حقوق الإنسان ما هي إلا كليشيهات للاستهلاك الإعلامي ستُنسى بعد فترة من الزمن، والنظام السعودي لا يمكن التضحية به أمريكياً، فهو المساهم الرئيس في الفوضى الأمريكية المعدة للمنطقة والداعم للإرهاب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار