سياسات رئيس النظام التركي رجب أردوغان المالية والنقدية والتي تخالف أبسط قواعد علم الاقتصاد، المطبقة على البنك المركزي ووزارة المالية لسنوات عديدة، أوصلت الاقتصاد التركي إلى مرحلة خطيرة من التضخم، وأدت إلى انهيار الليرة التركية كما دفعت بالمستثمرين خارج حدود تركيا.
ورداً على ذلك تعالت الأصوات المؤيدة والمعارضة لأردوغان أكثر من مرة بضرورة تغيير السياسات الاقتصادية ووقف النزيف الحاصل في الليرة، لكن أردوغان كان مقتنعاً بما يفعل ورفض الاستماع لأحد ليخرج هذه المرة ومن دون أدلة وبشكل معاكس لما تظهره تقارير البنك المركزي التركي، ليعلن أن احتياطات البنك المركزي لبلاده من العملات الصعبة تخطت 95 مليار دولار.
غير أن المعارضة مدعومة ببيانات رسمية، فندت مزاعم أردوغان، وكشفت أن البنك المركزي التركي مدين بنحو 56 مليار دولار أميركي.
وقال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري المعارض، فائق أوزتراك: “بتاريخ 18 شباط، بلغ صافي احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية ناقص 600 مليون دولار، أي إن الحكومة لم تترك عملات أجنبية في خزينة هذا البنك. إضافة إلى ذلك، لدى البنك التزام بإعادة 56 مليار دولار على المدى القصير كانت قد حصلت عليها من صفقات تبادل العملات المحلية”.
من ناحيته حمل وزير الاقتصاد التركي الأسبق، علي باباجان الذي انشق عن حزب أردوغان وأسس حزبه الخاص، أردوغان مسؤولية نفاد احتياطيات البنك المركزي من العملات الصعبة.
وقال: “هل يمكن أن يكون هناك بنك مركزي لدولة ما عليه ديون؟ إلى هذا الوضع وصلت بلادنا في غضون عامين فقط! هذا يسمى هدراً، فالبنك المركزي يبيع من احتياطي العملات الأجنبية لديه لمنع تدهور أسعار الصرف، لكن ماذا حدث؟ زاد سعر الصرف وارتفعت أسعار الفائدة، كل ذلك حدث خلال حكومة نظام أردوغان، يجب عدم إلقاء اللوم على أي وزير، أو رئيس البنك المركزي، فهناك شخص واحد مخوّل في النظام الحالي، هو أردوغان”.
ووسط هذا الجدل كشف تقرير لصندوق النقد الدولي أن البنك المركزي التركي، تصدر بنوك العالم بانخفاض احتياطي العملات الصعبة لديه، وأثبت تقرير صندوق النقد إلى حد كبير صحة تقارير المعارضة، وأكد تراجع احتياطي البنك المركزي التركي من العملات الصعبة بنهاية العام الماضي إلى ناقص 48.2 مليار دولار أميركي.
من جهة أخرى أشار تقرير أعدّه حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، عن ارتفاع نسبة الانتحار في البلاد خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أردوغان.
وقالت نائبة رئيس الحزب غمزة أك كوش إلجازدي، في التقرير الذي أعدته ونشرته اليوم (الاثنين) «في حكم حزب العدالة والتنمية ارتفعت ظاهرة الانتحار بنسبة 48%، في حين أنهى 2301 شخص حياتهم لأسباب مختلفة عام 2002، ارتفع هذا العدد إلى 3 آلاف و406 في 2019، وتزعم حكومة أردوغان أن 4 من كل 10 أشخاص اختاروا الموت، لا يعرفون سبب انتحارهم، بعبارة أخرى، 42% من نسبة الانتحار في تركيا مجهولة السبب.
وأضافت: في فترة حكم حزب العدالة والتنمية لتركيا بلغت نسبة الانتحار 19% من نسبة الأشخاص المتوفين، وتابعت «65 حالة انتحار في كل أسبوع، بين 2017-2019، في فترة نظام الحكم الرئاسي، انتحر 9916 شخصاً في عموم تركيا، ويشكل هذا العدد وحده 19% من عدد الوفيات في الفترة ذاتها، فيما وصل إجمالي حالات الانتحار في فترة حكم العدالة والتنمية بين الأعوام 2002- 2019 إلى 53 ألفاً و425 حالة». وأكدت أن نسبة الانتحار بسبب الأزمة الاقتصادية ارتفعت أيضاً بين 2017-2019 بنسبة 38% مقارنة بالأعوام 2002-2019.
وكانت الليرة التركية قد وصلت إلى أدنى مستوياتها مقابل الدولار في الأسابيع الماضية لتظل تتعرض لضغوط بعد أن دافعت الحكومة عن سياسات وزير المالية السابق، وقال متعاملون إن خسائر الليرة هذا الأسبوع أطلق شرارتها دفاع أردوغان عن صهره بيرات البيرق، الذي تزامنت فترة توليه منصبه مع انخفاض حاد في العملة.
على ضوء هذا كله، يبدو أن سياسة أردوغان العدائية تجاه عدد من الدول ونزوعه إلى افتعال التوتر مع دول الجوار، يشكلان عاملي ضغط إضافيين على الاقتصاد المنهك، ويزدادُ هذا الضغط في ظل العلاقة المتوترة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهما طرفان حليفان تقليديان لأنقرة لكنهما باتا في خلاف كبير مع تركيا بسبب أطماع أردوغان وسياساته التوسعية.