قضية المياه والأمن المائي من القضايا الحيوية في وطننا العربي، فالمياه ليست أساسية للحياة فحسب، بل هي الحياة نفسها، من دونها لا ثمر ولا حياة ولا صناعة ولا تقنية، بل لا تنمية ذات معنى من دون مياه.
وعند النظر إلى مصادر حياتنا كعرب، نجد مصدرين طبيعيين أساسيين بشكل مباشر أو غير مباشر هما: النفط و الماء.
النفط عنصر مؤقت وناضب, ومع ذلك يُفرد له الاهتمام الأكبر، ربما لأن مداخيله تفوق كل مصادر الدخل الأخرى، ولكن المياه أيضاً ليس دخلنا منها بقليل وهي مصدر الازدهار الدائم, وعماد الحياة والاستقرار والحضارة، إلا أنها فعلياً لا تزال في أدنى قائمة أولوياتنا.. لماذا؟
تعد المياه العربية الوجه الآخر للصراع في المنطقة، منذ عقود طويلة لاسيما خلال العقدين الماضيين، ومن المتوقع أن تشهد بروزاً كبيراً كقضية مركزية في الصراع العربي- الصهيوني في المرحلة المقبلة.
فكيان الاحتلال الإسرائيلي، يسرق مياهنا منذ زرعه كياناً لقيطاً في خاصرة أمتنا، ومع ذلك لا زالت قضية المياه للأسف تعالج كقضية ثانوية على هامش القضايا السياسية التي لم تجلب على فلسطين والأمة إلا الويلات والكوارث.
أطماع العدو الإسرائيلي اللقيط بالاستيلاء على المياه العربية وخطواته التنفيذية في هذا الاتجاه تدل دلالة لا تقبل الشك أو التأويل على أن له أطماعاً أكثر من الاستيلاء على أرض فلسطين العربية.. أطماعه تصل إلى التحكم في منابع الأنهار العربية ومصادر المياه العربية بشكل عام.
هناك أطماع إسرائيلية في مياه نهري دجلة والفرات تتجلى عبر محاولات شراء مياه النهرين من تركيا, التي تعمل بمشروع كبير وضخم لمد أنابيب عبر البحر إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي ولا زال العمل فيه جارياً ما جعل تركيا تحرم العراق وسورية من حقهما المنصوص عليه قانونياً في مياه النهرين، وفق الحصص المشروعة لهما والتي يكفلها القانون الدولي المتعلق بالأنهار الدولية، وهذا تهديد لقطاعي الزراعة والصناعة في سورية والعراق، مع استمرار تخفيض كميات المياه التي ترد إليهما من بلد المنبع (وهذا ما سيحدث مع مصر، عند اكتمال سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل).
إن السياسة المقصودة لاستنزاف المياه العربية ترتدي طابعاً إيديولوجياً له علاقة بأفكار الصهيونية ومزاعمها حول فلسطين ومجمل منطقتنا العربية، فنصف المياه التي يستهلكها كيان الاحتلال الإسرائيلي اليوم استولى عليها وحولها من مصادر مياه عربية موجودة خارج ما يسمى أراضي الـ67 وتقع بعض وسائل الإعلام العربية في خطأ واضح ومبدئي تجاه معالجة النهب الإسرائيلي للمياه العربية ويتمثل ذلك في النقل عن المصادر الإسرائيلية، لذلك من الرائج أن تلتقي عين القارئ بعبارات مثل “نقص المياه في إسرائيل أو حاجة إسرائيل للمياه” وفي بعض الأوقات تعزز ذلك الادعاء بالأرقام، وقد عزز هذا القول أحد الخبراء الاقتصاديين الدوليين وهو (توم ستيغر) الذي يقول في دراسة حديثة حول الموضوع: قيمة المياه العربية التي تستولي عليها “إسرائيل” ذات طابع أيديولوجي لأن ثلثي استهلاك الماء في “إسرائيل” يتجه نحو الزراعة المروية, واقتصاديو الزراعة في “إسرائيل” يعرفون جيداً أن أقل من نصف القطاع الزراعي منتج اقتصادياً والباقي غير اقتصادي مع أن القطاع يتمتع بمساعدات تتضمن أرضاً رخيصة أو مجانية وإعفاء من الضرائب وتسهيلات مصرفية في التصدير، وكذلك، أيد عاملة زراعية عربية رخيصة.
إن كيان الاحتلال يستهلك من المياه خمسة أضعاف ما تستهلك الأقطار العربية المحيطة، وأحد الدوافع الرئيسية للحروب والاعتداءات الإسرائيلية منذ عام 1948 هو الحصول على مصادر المياه العربية بصرف النظر عن الدافع المعلن للحرب، وهكذا نجد أن نهر الأردن والذي يجري من الشمال إلى الجنوب ويصب في البحر الميت كان الهدف الأول ومن ثم تجفيف بحيرة الحولة ثم احتلال نهر بانياس، وامتدت المطامع الإسرائيلية إلى نهر الليطاني، إضافة إلى بحيرة طبرية.
المياه العربية المسلوبة أو المسروقة من قبل “إسرائيل” وتركيا هي ما يجب أن نركز عليها في المرحلة المقبلة، لأن وطننا العربي مقبل حتماً في المستقبل القريب على أزمة أمن مائي كبيرة لا تقل خطورة عن احتلال الأرض واغتصاب حقوق أصحابها وتهجيرهم في كل بقاع الدنيا.