مفهوم القوة الأميركي والقيمة الحاملة له

 عن إستراتيجيك كالتشر فاوندويشن

نالت سلسلة الإخفاقات الكبيرة لأميركا في حربيها في أفغانستان والعراق، من رصيدها المادي والبشري، وتآكل رصيدها المعنوي والإعلامي، وتشوهت صورتها السياسية والإعلامية، إضافة لحجم الخروقات والجرائم الوحشية التي ارتكبتها (كنموذج غوانتنامو) لإعادة النظر بمجموعة السياسات والإستراتيجيات المقررة، والتحول لمنظور مختلف داخلياً وعالمياً.

لقد تبلورت في الأفق الأميركي مع الرئيس أوباما عقيدة جديدة، تقوم على مبدأ تنويع السياسات، بحيث ترتكز على “التطبيق المدروس لمجموعها على المسرح الدولي وأطلق عليها بالقوة الذكية، وهي مزيج من القوتين الصلبة والناعمة”.

فبدأت فكرة القوة الناعمة مع الاحتواء المزدوج للإستراتيجيات، والخطط الأميركية في التسعينيات للتعامل مع البيئات والنظم المعادية لها، لاسيما في المنطقة العربية، والتي تقوم على خليط من السياسات التي ترتكز على الردع العسكري والعزل السياسي والدبلوماسي، والمقاطعة الاقتصادية، مروراً بعقيدة الصدمة والترويع، والمواجهة التي اعتنقتها وزارة الدفاع الأميركية في برامجها العسكرية وطبقتها ضد يوغسلافيا وأفغانستان والعراق.

وينسب مفهوم القوة الناعمة لجوزيف ناي في الثمانينيات، وهو أحد الأكاديميين المرموقين المؤثرين في العلاقات الدولية، والسياسات الخارجية الأميركية، فأسس مركز الليبرالية الجديدة، وهو مركز استشاري مؤثر في قرارات أميركا.

واعتمد مقياس القوة الناعمة على استطلاعات الرأي المأخوذة من مراكز الاستطلاعات الموثوقة والمعروفة عالمياً. ومن المعروف أن علم استطلاع الرأي يعطي نسبة عالية من المصداقية تصل إلى أكثر من 64%. والملاحظة المهمة لمراكز استطلاعات الرأي تبدأ من التأثير العاطفي. ومثلما تكون مقياس للقوة الناعمة هي أيضاً مصدر لتزييف الحقائق. وهذا يكثر بأوقات الانتخابات لتغيير قناعات الجمهور .

وحسب وزير خارجية فرنسي سابق لم يذكر اسمه يقول (الأميركيون أقوياء، لأنهم يستطيعون إلهام أحلام الآخرين ورغباتهم، بفضل إتقانهم للصورة العالمية وتسخيرهم الإعلام لذلك).

بدوره قال المفكر والمستشار السابق للأمن القومي الأميركي زبيغنيو بريجنسكي أنه عندما صاغ جوزيف ناي مفهوم القوة الناعمة، تغيرت معها طريقتنا في تحليل القضايا العالمية. فهو يرينا الأمثلة الواضحة، والتحليل المتألق عن كيفية تبديد القوة الناعمة والتي تعتبر أخطر أخطاء أميركا.

إلى ذلك، فإن أحد أبرز أهداف الحرب الناعمة، عزل الشعوب عن القوى المقاومة للهيمنة والتسلط، وتعميق الفجوة معها، وهي جزء من الإستراتيجيات الأساسية، للقوى والدول الفاعلة والمؤثرة على الساحة الدولية. فالقوة الناعمة هي البديل المجدي لأميركا بعد الإخفاقات والتكاليف المالية والبشرية والمعنوية الباهظة لحروبها الصلبة في ظل النظام العالمي.

وتتنوع موارد القوة الناعمة لأي بلد، منها الثقافة التي تعتمد على قيمة المعلومات التي تحاكي نخبة من المثقفين. وبهذا الصدد قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول: (لا أستطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم في جامعاتنا).

لذلك، بدأت واشنطن برسم مسار سياسة مختلف عن العقود السابقة. لاسيما بعد الإحباط والسمعة السيئة التي تضررت بشدة جراء كوفيد 19، والتي ألقت بظلالها على طبيعة الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة. فالقيم الأميركية الحاملة للسياسة الداخلية والخارجية تعتمد نظام المصالح الذي يجب تسخير كل شيء مادي ومعنوي بغض النظر عن أي نتائج، بالرغم من حالات الفوضى التي تسببها حول العالم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار