لا صديق لأمريكا
تناقلت وسائل إعلام مرئية ومكتوبة ومسموعة ومواقع تواصل اجتماعي افتتاحية صحيفة الـ«واشنطن بوست» الأمريكية الغنية عن التعريف والتي أفردتها هذه المرة، للحديث عن الحرية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان في مصر.. وحسب الافتتاحية آنفة الذكر تم إظهار الدولة المصرية بشكل سلبي، حيث طالبت الصحيفة الإدارة الأمريكية بمعاقبة مصر شعباً ومؤسسات، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بالمطالبة بحرمانها من المساعدات الأمريكية!.
رغم أن الطلب لافت، وسابقة، لكن اللافت أكثر أنه المرة الأولى التي تخصص افتتاحية لصحيفة وازنة من عيار «واشنطن بوست» للحديث مطولاً ليس عن سياسة الولايات المتحدة الداخلية أو الخارجية، وإنما عن دولة أخرى والتدخل في شؤونها.. رغم أن هذه الدولة هي من أقرب الدول لها في المنطقة.
والمستغرب وشواهد هبة النيل شاهدة، هو التجنّي على مصر التاريخ والعراقة والجغرافيا والإرث الحضاري، بل هذا الصلف والعنجهية!.
يقول المثل الشعبي «المرأة التي تريد أن ترقص لا تخفي وجهها»، وهذا المثل ينطبق على افتتاحية «واشنطن بوست»، وينطبق على الإدارة الأمريكية، إن كان لها يد في تسريب أفكار الافتتاحية- وهذا الأرجح- فحري بهم تذكر أن تاريخ الولايات المتحدة مشبع بالسواد والكوارث والحروب والأزمات، والاحتلالات، فهي قامت على جماجم الهنود الحمر عند التأسيس، وهي من أبادت مدينتي هيروشيما وناغازاكي بعد قصفهما بالقنابل الذرية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية 1945.
أين هذه “الافتتاحية” من التمييز العنصري الذي لايزال مستمراً في سلوك وثقافة الأمريكيين، ودم المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد بعد مقتله على يد الشرطة الأمريكية في أيار 2020 لم يجف بعد.. وأين هي من اقتحام مبنى «الكابيتول» من العنصريين والشعبويين وقطّاع الطرق من أنصار الرئيس السابق ترامب.. بل أين «الواشنطن بوست» مما فعلته الإدارات الأمريكية في أفغانستان، وفي المنطقة العربية بدءاً من تدمير العراق وصولاً إلى فصول التدمير المستمرة؟
وأين موقف الصحيفة نفسها من انحياز الإدارة الأمريكية إلى جانب النظام السعودي في حربه المدمرة والظالمة على اليمن.. وأينها من احتلال الجزيرة السورية ونصب قواعد عسكرية غير شرعية في أكثر من منطقة سورية؟.. بل أين الصحيفة من نهب ثروات السوريين وحرمانهم من رغيف الخبز وحبة الدواء عبر ما يسمى بـ«قانون قيصر» والإجراءات أحادية الجانب غير المشروعة المسلطة على رقاب السوريين؟.. وأين الصحيفة من سلوكيات حليف أمريكا رئيس النظام التركي الذي هو الآخر يحتل أراضي سورية، يهجّر سكانها ويستبدل أسماء المدن العربية بأسماء تركية بهدف “تتريك” المنطقة؟.. وأين هي مما يفعله «السلطان العثماني الجديد» في ليبيا حيث ينقل الإرهابيين إليها؟.. وما يرتكبه في «المتوسط»؟
أين هي من سلوكيات ربيبتها «إسرائيل» من احتلال فلسطين وعدوان حزيران 1967 واحتلال الجولان السوري، واجتياح لبنان، وحروبها المتكررة على لبنان، وعدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني في الداخل؟.. بل أين الشفافية في الصحافة الأمريكية، وخاصة «الواشنطن بوست».. أم إن الكيل بمكاييل مزدوجة قائم أيضاً في الصحافة الأمريكية، على غرار السياسة؟.
كان الأجدر بكاتب الافتتاحية أن يعرّي سلوك دولته العميقة تجاه مواطنيها أولاً وتجاه حلفائهم قبل النيل من دولة ذات سيادة كمصر، فهل يتعظ المراهنون على أمريكا من العرب، من هذا السلوك الأمريكي المنحاز.. أم ستبقى ذاكرتهم مثقوبة؟.