الاستثمار في الصورة لن يلغي مشروعية الأسئلة..
كتب المحرر السياسي:
لا تكاد تتصفح صحيفة عالمية أو إقليمية أو موقعاً إلكترونياً أو صفحة خاصة أو أياً من مواقع التواصل الاجتماعي إلا وتشاهد صور الصحفي الأمريكي المخضرم مارتن سميث، مع ما يسمى زعيم “جبهة النصرة” الإرهابي أبو محمد الجولاني.
سميث المشهود له في عالم الحبر بتحقيقاته المرئية والمسموعة والمكتوبة حول القضايا الخطرة والشائكة والصعبة، ليس في الولايات المتحدة وإنما في دول العالم، وخاصة المناطق الساخنة، وتأتي على رأسها منطقة “الشرق الأوسط”؛ يظهر هذه المرة جنباً إلى جنب مع “أبو محمد الجولاني” واللافت هذه المرة ليست صورة سميث الصحفي الاستقصائي، إنما صورة “الجولاني”.
الصورة المتداولة ليست عابرة، ولا مصادفة، ولا ممنتجة على أجهزة السكنر، بل حية؛ ينطق الزمان والمكان فيها، يقصد منها من هندسها إيصالها إلى الفنون الإعلامية كلها، وهو في ضيافة الإرهابي الجولاني على الطريقة العربية لمدة ثلاثة أيام بلياليها العامرة بالضيافات والتحقيقات الميدانية الاستقصائية الموثقة بالصوت والصورة في معالم إدلب التجارية والصناعية والشعبية ومتاحفها وأوابدها وخاناتها القديمة، ومن حقول الزيتون تارة، ومن محاريب مساجدها تارة أخرى.
كل هذا ورغم أهميته ليس مهماً، المهم هل كان يريد من سرّب الصور إقناعنا أن “سميث والجولاني” التقيا مصادفة في متحف إدلب الشهير؟ أم يريد إقناعنا أن المخابرات المركزية الأمريكية ليس لها علم بأن “سميث” سافر من أمريكا إلى تركيا ثم إدلب من دون إعلامها؟..
إذا افترضنا هذا -وهو محال- لشخصية مثل سميث، الذي يتحرك في شوارع واشنطن والحراسة المشددة تلاحقه عن بُعد، بل إن السوار الإلكتروني المربوط في معصمه متصل بالأقمار الصناعية الأمريكية، ومتى ابتعد عن المسافة المحددة له، أو تعرض للخطر تكون الأجهزة الأمريكية المعنية إلى جواره..
أم إن الاستخبارات الأمريكية تعلم بسفر صحفيها المقرّب من الدولة العميقة، وهي من سهّلت له المهمة؟ وإذا افترضنا أنها لا تعلم باليوم الأول، فماذا عن اليوم الثاني، وماذا عن اليوم الثالث؟.. وأنها –الاستخبارات الأمريكية- واستخبارات النظام التركي هي من تحميه، وماذا عن الـ10 ملايين دولار المرصودة أمريكياً لكل من يدلي بمعلومات تؤدي إلى الوصول إليه أو إلقاء القبض عليه أم كلام الليل يمحوه النهار؟ أم هي تعلم مسبقاً أن مهمة الوصول إليه مستحيلة من غير الاستخبارات الأمريكية لأنها هي من صنعته وهي من تحميه وهي من تسوّقه اليوم عبر ماكينتها الإعلامية الجهنمية لغاية في نفسها بعد سنوات من التخفي، والغموض، والإبقاء عليه حياً رغم سخونة الموقف، وإبقائه على رأس “جبهة النصرة” ومن ثم “هيئة تحرير الشام” كل هذه السنوات، على خلاف كل قادة الفصائل الإسلاموية.. وهذا شاهد قطعي آخر على الحماية والرعاية المباشرة من المخابرات الأمريكية والصهيونية بناء على شروطها وحساباتها لمساندة النظام التركي.. وهذا تأكيد على التعاون والتنسيق بين النظام التركي وأمريكا والمجموعات الإرهابية.. هذه منهجية أمريكا، فقد أخفت تفاصيل مقتل بن لادن وأخفت جثته، كما اخفت تفاصيل مقتل البغدادي، مع أن المنهجية الأمريكية عند مقتل خصومها واضحة لناحية العرض بالصوت والصورة لتحقيق مكاسب انتخابية.. وهذا ينطبق على صورة الصحفي الأمريكي سميث مع الإرهابي الجولاني اليوم لإيصال الرسالة الأهم “أنها هي الراعية الأولى لصناعة الإرهاب العابر للقارات”، وهذه المرة بصورة حية وليست ميتة، وهذا تأكيد على ازدواجية المعايير في الإدارات الأمريكية المتعاقبة.