“دافوس” وخطاب التحولات الإستراتيجية

ترجمة وتحرير: خالد فلحوط :

ظهرت ملامح الثورة الصناعية الرابعة، مع نهاية العقد الماضي، والتي كانت انطلقت مع البدء بالتحضير لما يسمى شبكات الجيل الخامس، وما رافقها من حرب تجارية أميركية فوضوية؛ لتنتهي بالوباء العالمي «كوفيد19» الذي ألقى بظلاله على مسار الاقتصاد العالمي وتأثيراته المتفاوتة.

ومن خلال رأسمالية أصحاب المصلحة، واقتصاد عالمي، يعمل من أجل التقدم، كان العنوان الأبرز لجلسات “مؤتمر دافوس” الافتراضية مؤخراً «عام حاسم لإعادة بناء الثقة» لتلبية الحاجة الملحة للتعاون الدولي.

ومن خلال ذلك، تطرق البحث في موضوعات كثيرة بعد الوباء وتأثيراته على إعادة تشكيل المجتمعات، وشكل فرصة لقادة الدول والمنظمات لتحديد رؤيتهم، ومعالجة أهم القضايا في عصرنا، كالحاجة لتسريع خلق فرص العمل، وحماية البيئة، وقيادة التحول والنمو المسؤول في الصناعة، وتسخير تقنيات الثورة الصناعية لخدمة البشرية.

وكان كلاوس شواب المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي طرح الكثير من الموضوعات الحساسة المرتبطة بوجوب القضاء على التفاوت المتزايد داخل المجتمعات، والحد من التأثير المثبط لقوة السوق الاحتكارية التي تمارسها الشركات الكبرى على مكاسب الابتكار والإنتاجية.. وأخيراً وجوب إنهاء الاستغلال قصير النظر للموارد الطبيعية الذي يؤدي لتآكل البيئة.

أما عملية بناء الثقة، فتحتاج لإعادة تعيين الأولويات، والحاجة الملحة لإصلاح الأنظمة الاقتصادية.

إلى ذلك، أرسلت كل من موسكو وبكين رسائل مهمة وحساسة للعالم الغربي قبل غيره، فتحدث الرئيس الصيني شي جين بينغ عن الحاجة لتكثيف تنسيق سياسة الاقتصاد الكلي لتعزيز نمو قوي ومستدام ومتوازن للاقتصاد العالمي، وحاجة العالم للتخلي عن التحيز الإيديولوجي، وإتباع مسار التعايش السلمي والمنفعة المتبادلة، لأن الاختلافات في المجتمعات ليست بحد ذاتها مدعاة للقلق، مُحدداً المشكلة الرئيسية للعلاقات الدولية بفرض بعض الدول الثقافة والأنظمة الاجتماعية على الآخرين، ليتمثل التحدي الأكبر في سد الفجوة بين البلدان المتقدمة والنامية، وبالتالي الحاجة لمواجهة التحديات العالمية، فلا يمكن لأي دولة أن تحل مشكلة عالمية بمفردها، وفرض الفصل، وتعطيل الإمدادات والعقوبات بشكل متعمد لخلق العزلة والغربة الذي سيؤدي لدفع العالم للانقسامات والمواجهة. وختم الرئيس الصيني قوله؛ بوجوب الالتزام بالقانون الدولي بدلاً من السعي للسيادة الذاتية.

وأتى خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نارياً ومسؤولاً كما وصفه المحللون، بدءاً بالإشارة للطريقة التي تغير فيها العالم، وعملية إعادة الضبط الكبرى التي تمثل التزاماً مشتركاً بسرعة لبناء أسس النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي من أجل مستقبل أكثر إنصافاً واستدامة ومرونة، إذ تسبب أزمة النماذج الاقتصادية الصاعدة استقطاباً قوياً للرأي العام، ما يؤدي لنمو الشعبوية والراديكالية اليمينية ويؤثر بالتالي على طبيعة العلاقات الدولية، فلا يجعلها أكثر استقراراً، أو يمكن التنبؤ بها، ما يؤدي لضعف دور المؤسسات الدولية وظهور الصراعات الدولية، وتفتت نظام الأمن العالمي.

ولفت الرئيس بوتين لطبيعة الإجراءات العملية الأكثر عدوانية، بما في ذلك الضغط على الدول التي تقاوم محاولات قوى مجهولة الهوية، واستخدام الولايات المتحدة حواجز غير مشروعة، وعقوبات في التمويل والتكنولوجيا، والفضاء.

مما لا شك فيه أن خطابي الرئيسين الروسي والصيني كانا موجهين للغرب الذي مارس كل أشكال الحصار والحرب الممنهجة ضد آسيا وروسيا ومازال؛ وحذرا من تحول في نظرة العالم لأهم المعايير الإنسانية والدولية، بالرغم من تجاهل الغرب المقصود، وحالة القلق المرافقة لسلسلة الاتفاقات المتعددة التي أبرمتها دول مختلفة في أوراسيا الكبرى.

عن «نيو إيسترن آوت لوك»

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار