أردوغان.. و”حرب البوسفور”

رغم مرور أكثر من شهر على بدء الاحتجاجات الرافضة لوصاية رئيس النظام التركي رجب أردوغان على الجامعات وتعيينه مليح بولو، حليفه السياسي، رئيساً لجامعة البوسفور “بوغازيتشي” في إسطنبول قسراً، تتسع رقعة الاحتجاجات يوماً بعد يوم، وسط مؤشرات تنذر بتحول الحركة الاحتجاجية الطلابية إلى تظاهرات كاسحة للتنديد بسياسات أردوغان القمعية ونهجه الاستبدادي.

على إيقاع التظاهرات التي باتت تهز عرش “السلطان العثماني” وتقوّض أركان حكمه، يتغوّل أردوغان المأزوم سواء بحملة القمع والاعتقالات التي طالت مئات الطلاب والأكاديميين لترويعهم وثنيهم عن الاستمرار باحتجاجاتهم، أو بالخروج على الرأي العام ووصف الطلاب بالإرهابيين، واتهام معارضيه السياسيين بالوقوف وراء تأجيج التظاهرات المتصاعدة.

أمام هذا التغول، باتت مواقع التواصل الاجتماعي هي المنفذ الوحيد للأتراك للتعبير عن معارضتهم لأردوغان، حيث تم إطلاق “هاشتاغ” للمطالبة باستقالة أردوغان، واجهها الأخير بالإصرار على سياساته التوسعية معتمداً في ذلك على أنصاره من “الأخوان المسلمين” الذين انبروا للدفاع عن راعيهم، لتستعر حرب إلكترونية تزيد من حدة غليان الشارع بأوساطه الشعبية والطلابية والسياسية.

الكل متفق أن تعيين أردوغان لعضو بحزبه كرئيس لجامعة البوسفور ليس سوى جولة أولى من هجومه لبسط سيطرته على الجامعات المهمة في تركيا، وذلك عبر تعيين مقربين منه داخل هياكل إداراتها، الأمر الذي أكدت المعارضة التركية أن الهدف منه هو تعزيز قبضة أردوغان على الجامعات التي تعد معاقل حرية الرأي والتعبير.

تحذيرات المعارضة جاءت متناغمة مع تقارير صحفية أكدت أن أردوغان يخطط لتحويل رؤساء الجامعات إلى “رؤساء حزبيين”، وأن حليفه بولو كان الحلقة الأولى في هذا المخطط، حيث يعتزم أردوغان أن يملأ جامعة البوسفور بأعضاء هيئة التدريس الحزبيين لتغيير نسيج الجامعة، مؤكدة أن الجامعات الناجحة والمهمة الأخرى لن تفلت هي الأخرى من مخطط أردوغان الذي يعمل أيضاً لإنشاء كليات جديدة في جامعة بوغازيتشي، والتي تعد بمثابة “حصان طروادة” للسيطرة على هذه المؤسسة بالإضافة إلى إجراء التعيينات اللازمة لإضفاء الشرعية على رئيس الجامعة من خلال هذه الكليات المحدثة.

ما يجري اليوم في البوسفور، وصفته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، بأنه حرب يهدف أردوغان من خلالها إلى السيطرة على الجامعة التي كانت هدفاً له منذ فترة طويلة، حيث نجت من أسوأ عمليات تطهير شملت أعمال فصل واعتقال شهدتها تركيا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، مبينة أنه حسب التقاليد، يختار الأكاديميون رئيس الجامعة، إلا أن أردوغان ضرب هذه القاعدة بتعيينه حليفه بولو لتكون خطوة لتوسيع نفوذه في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية، مسلطاً كعادته سيف القضاء على أي أجواء لحريات الرأي والتعبير لا تعجبه وتفضح أساليبه القمعية والدكتاتورية.

صحيح أن أردوغان معتاد على التعاطي مع مثل هذه الاحتجاجات بالقمع المتزايد لكم الأفواه وترويع الشارع، لكن هذه التظاهرات، حسب مراقبين، تشكل أزمة مختلفة على جميع الأصعدة، فهي تأتي فيما تئن تركيا تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، وفي الوقت الذي يلهث فيه أردوغان لتهدئة التوتر مع الشركاء الأوروبيين والولايات المتحدة مدفوعاً بمخاوف من عقوبات قاسية تشد الطوق على الاقتصاد التركي وتودي به إلى الانهيار.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار