في (الأنا)
لعلَّ في الكتابة عن لواعج الأنا شجوناً ومتاعب يمازج فيها المحسوسُ من الأشياء معقولَها، ومن السهل لكل ذي ملكة فطنة أن يُعملَ البديهة في تحديد نقاط الالتقاء والافتراق وبالتالي مساحات التكامل بين كلا المجالين الحسي العقلي، ولعلّ كلَّ يومٍ يمرّ يحمل احتمالَ حلولٍ لبعث تويجة ورد في غسّان قلبٍ معنّى، تكون لدى أصحابهِ فرصٌ تفتحُ أمام أعينِهم نافذةَ ضوءٍ منتظر..؟! والشعراءُ الحقيقيّون أوّلُ ما يميّزُهُم هو ملَكاتُ الخيال الواسع لديهم، وقد يدعوهمُ ذلك إلى تخيُّلِ غيرِ المألوف، رُبّما ليؤكّدوا على حُسنِ طبيعة الأشياء وفطرتها الجميلة، يقول نزار قبّاني:
تخيلْتُ حتى جعلْتُ العطورَ تُرى ويشمَّ اهتزازُ الصدى!
فماذا لو ذهب الخيالُ بعيداً في تصوّر ذلك الكائن السمج المتضخّم بلبنات الوهم لدى بعضِهم، والذي اسمُهُ (الأنا)..؟ بأيّ مقياسٍ سيُقاسُ خيشومهُ وهل سيُقاسُ بالطول أم بالعَرض؟ وهل سيكتفي ذلك الخيشوم بمجرّد ثقبين، وإذا اكتفى بهما فما عساهُ يكون حجمهما؟!، والأدهى والأهمُّ مَن يمكنُه احتمالُ الرائحة التي ستخرج منه في اتجاهاتٍ شتى؟! بعضُ المتثاقفين ما إن تضعُك المصادفةُ ذاتُ الفألِ السيئ في مجلسِهُمُ الفارهِ الفارغ، حتى يبدأَ بالحديثَ عن كُلِّ شيءٍ، أجلْ، يتحدّث عن كُلِ موضوع: سماويّ أو أرضي، علمي أو أدبي، خاصٍّ أو عام، حاضرٍ عينيٍّ أو فائتٍ ماضوي، أو مستقبليِّ غيبي،.. ثمَّ لا ينسى أن يكون جُلُّ حديثهِ قدحاً وانتقاداً، فهو من بُرجٍ عالٍ يُطلق الأحكام، وينتقدُ كُلَّ شيءٍ ما خلا نفسَهُ، وإذا ما دققتَ في مفرداتهِ ستجدُ كيف أنَّ كلمة (أنا) تلقى عندهُ (السوابقَا والمُصلّينا) ؟!) (أنا) المتثاقفين ليست وحيدةً في الساحة، بل لو أنك دققت لألفيت إلى جوارها (أنا) مُحدَثي النعمة، و(أنا) مستصلحي الذمم و(أنا) بنّائي القمم، ولعلّك تجد(أنا) (المُطعِمُ الكاسي)، إن كنت ذا عقلٍ حاذق وبصيرةٍ ثاقبة، ذلك أنّ معظمَ هؤلاء عاشوا على الرياء وألفوا الهُراء ولم يروا في شجرة القيم الطيبة إلّا مجرّدَ مشجبٍ مقلوبْ، أو بقرةٍ حلوب ! .