“الجنايات الدولية” تفتح سجل جرائم الحرب
في الوقت الذي اتخذت فيه محكمة العدل الدولية مساراً قضائياً متفرداً، برز دور محكمة الجنايات الدولية في الكشف والتحقيق عن جرائم الحرب التي ترتكبها بعض الدول والكيانات وخاصة الكيان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذا ما سلطت الضوء عليه مجلة “الإيكونومست” البريطانية في مقال جاء فيه:
إن محكمة العدل الدولية رغم تشابك القضايا المعروضة عليها تختلف في مساراتها عن محكمة الجنايات الدولية، حيث أنشئت محكمة العدل بموجب ميثاق الأمم المتحدة الموقع في سان فرانسيسكو بتاريخ 26 حزيران عام 1945، وحلت محل “محكمة العدل الدولية الدائمة”، تتخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقراً لها، وهي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، وتتمثل مهمتها، وفقاً للقانون الدولي، في تسوية النزاعات القانونية التي تعرض عليها، وإصدار الفتاوى القانونية بشأن المسائل التي تحيلها إليها مكاتب الأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة التي يسمح لها بذلك.
تؤدي المحكمة دوراً ثنائياً، فهي بموجب القانون الدولي تقوم بحسم الخلافات القانونية المقدمة من الدول الأعضاء، وتقدم آراء استشارية في المسائل القانونية المحالة إليها من هيئات ووكالات دولية مخولة.
وتعمل المحكمة وفق نظام أساسي يشبه إلى حد كبير نظام سابقتها “محكمة العدل الدولية الدائمة” الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة، وتعد قراراتها غير إلزامية إلا في حال اتفقت الدول المتنازعة سلفاً على القبول بتلك القرارات.
ومنذ عام 1946 أصدرت محكمة العدل الدولية أحكاماً في نزاعات تتعلق بالحدود البرية والحدود البحرية والسيادة الإقليمية، وعدم استخدام القوة، إضافة إلى عدة أمور منها: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعلاقات الدبلوماسية والرهائن، وحق اللجوء السياسي، والجنسية، والوصاية، وحقوق المرور المائي، والحقوق الاقتصادية.
تتشكل محكمة العدل الدولية من 15 قاضياً تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لولاية تمتد تسع سنوات، وتجرى انتخابات كل ثلاث سنوات على ثلث المقاعد، ويجوز إعادة ترشيح القضاة المتقاعدين، ولا يمثل أعضاء المحكمة حكوماتهم بل هم قضاة مستقلون، حيث يتعين على القضاة أن تكون لديهم المؤهلات المطلوبة لشغل أعلى المناصب القضائية في بلادهم، أو أن يكونوا رجال قانون ذوي كفاءة معتبرة في القانون الدولي، ويجب أن تعكس تشكيلة المحكمة تمثيل الحضارات الرئيسية والأنظمة القانونية الأساسية في العالم.
وإذا لم تتضمن المحكمة قاضياً يحمل جنسية دولة طرفٍ في قضية ما، فإنه يجوز لتلك الدولة تعيين شخص يقوم مقام القاضي لهذا الغرض بالذات.
أما آلية عمل المحكمة فتكون على الشكل التالي، مرحلة التدوين التي ترفع وتتبادل فيها الأطراف الادعاءات، ومرحلة المشافهة وتتضمن الجلسات العلنية للاستماع للحجج التي يخاطب فيها الوكلاء والمستشارون المحكمة.
وبما أن اللغتين الرسميتين للمحكمة هما الإنكليزية والفرنسية، فإن كل مدون أو ملفوظ بإحدى اللغتين يترجم إلى اللغة الأخرى.
وبعد المتابعات الشفهية تتداول المحكمة سراً، وتصدر حكمها في جلسة علنية ويكون الحكم علنياً وغير قابل للاستئناف، وفي حال لم تذعن إحدى الدول المعنية للحكم فيجوز للطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن الدولي، ويجوز للمحكمة أيضاً أن تنشئ هيئة قضائية خاصة.
يذكر أن المحكمة شكّلت تلك الهيئة أول مرة عام 1982 وكانت الثانية عام 1985 وشكّلت اثنتين عام 1987 ومثلها عام 2002، وكذلك أنشأت المحكمة عام 1993 هيئة من سبعة أعضاء للبت في القضايا البيئية التي تقع ضمن اختصاصها.
وتقضي المحكمة بأحكامها وفقاً للمعاهدات والمواثيق الدولية المعمول بها والعرف الدولي والقواعد القانونية العامة والأحكام القضائية وتعاليم خبراء القانون الدولي البارزين كمصادر إضافية.
كما أن الإجراءات الاستشارية للمحكمة مفتوحة فقط للمنظمات الدولية، أما الهيئات المخول لها حالياً طلب مشورة المحكمة فيه خمسة أجهزة تابعة للأمم المتحدة و16 وكالة متخصصة.
أما ما يتعلق بـ”المحكمة الجنائية الدولية”، فهي هيئة قضائية مستقلة يخضع لاختصاصها الأشخاص المتهمون بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وتتخذ من لاهاي بهولندا مقراً لها، وينظم عملها نظام روما الأساسي.
إن المحكمة الجنائية الدولية ليست جزءاً من الأمم المتحدة وقد أنشئت المحكمة بموجب معاهدة تم التفاوض عليها في الأمم المتحدة، كما أنشأت المعاهدة هيئة قضائية مستقلة.
جاء نظام روما الأساسي نتيجة لعملية طويلة من النظر في مسألة القانون الجنائي الدولي داخل الأمم المتحدة.
ووفقاً للمادة (13) من نظام روما الأساسي، يمكن لمجلس الأمن إحالة حالات معينة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وهذا ما قاد المدعية العامة للمحكم فاتو بنسودا إلى اعتقادها بوجود ما يدعم وقوع جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، حيث قضت الجنائية الدولية بأن الأراضي الفلسطينية تقع ضمن اختصاصها القضائي ما يمهد الطريق أمامها للتحقيق بشأن جرائم حرب فيها.
وأوضحت المحكمة الجنائية الدولية أنها لا تفصل في نزاع حدودي بموجب القانون الدولي، ولا تحكم مسبقاً في مسألة أي حدود مستقبلية، بل لغرض وحيد هو تحديد نطاق الاختصاص الإقليمي للمحكمة.
وحسب قرار المحكمة فإن اختصاصها يشمل الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” منذ عام 1967 أي غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.