وجه رئيس قسم هندسة القتال بقيادة القوات البرية الجزائرية، العميد بوزيد بوفريوة، رسالة شديدة اللهجة إلى السلطات الفرنسية، طالب خلالها بتحمل مسؤولياتها عن التجارب النووية التي نفذتها في بلاده إبان فترة الاستعمار.
وقال بوفريوة، في مقابلة مع مجلة “الجيش” الشهرية الجزائرية: “أكثر من 60 عاماً مرت على أول تجربة نووية في الجزائر، ولا تزال فرنسا ترفض تسليم الخرائط التي تكشف عن مواقع النفايات النووية”.
وذكر المسؤول العسكري أن فرنسا أجرت 17 تفجيراً (4 سطحية منطقة رقان و13 باطنية في إن إيكر)، وتمت كلها تحت “ذريعة” البحث العلمي، ناهيك عن تجارب تكميلية أخرى.
وأوضح أن التجارب السطحية في رقان تسببت في تلويث أجزاء كبيرة من الجنوب الجزائري ووصل إلى دول إفريقية أخرى، أما التجارب الباطنية في إن إيكر فقد “خرج العديد منها عن السيطرة ما أدى إلى انتشار النواتج الانشطارية للانفجار ملوثة مناطق واسعة”.
والذاكرة الجزائرية تختزن أهوالاً لا يمكن نسيانها، من جرائم مروعة ارتكبها جيش الاحتلال الفرنسي ضد المدنيين الجزائريين، كما لا يحتاج هؤلاء إلى من يذكّرهم بالفظائع التي مر بها آباؤهم وأجدادهم في الحقبة الاستعمارية، في خمسينيات وستينات القرن الماضي..
وفي السياق ذاته أبرز بوفريوة، أن من مخلفات هذه التجارب “نفايات ضخمة غزيرة الإشعاع، طويلة العمر منها ما تم دفنه تحت الأرض ومنها ما بقي في العراء”، مشيراً إلى إشعاعات منتشرة على مساحات شاسعة تسببت في إحداث “ضحايا كثيرين من السكان وأضرار بالبيئة لا تزال قائمة حتى اليوم”.
وشدد المسؤول الجزائري على أن “تسليم الخرائط حق تطالب به الدولة الجزائرية بحرارة، ولا تنسى مسألة تعويض الجزائريين ضحايا الاختبارات”. وتابع أن “على فرنسا أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية” لاسيما في ضوء معاهدة حظر الأسلحة النووية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في حزيران 2017 بموافقة 122 دولة.
ونفذت فرنسا 17 تفجيراً نووياً في الجزء الجزائري من الصحراء الكبرى بين عامي 1960 و1966.
وجاء 11 اختباراً بعد اتفاقات إيفيان المبرمة عام 1962 والتي أنهت حرب الاستقلال المتسمرة 8 سنوات.
وقد اعترفت فرنسا بإجراء تجارب نووية في الجزائر، بمشاركة خبراء نوويين إسرائيليين، وواصلت فرنسا إجراء تجاربها وبحوثها النووية إلى منتصف 1966، ويقدر خبراء آخرون عدد التجارب بـ57 تجربة، وصل ضررها إلى دول الجوار الجزائري والشمال الإفريقي، بينما رفضت فرنسا تحمل مسؤولية جريمتها.
وتعتبر تجارب رقان النووية أهم الاتفاقيات بين فرنسا و”إسرائيل” من خلال الاتفاق السري الذي وقعه الطرفان عام 1953، حيث كانت “إسرائيل” تبحث عن الأرض لإجراء مثل هذه التجارب، في الوقت ذاته كانت فرنسا تبحث عن الحلقة المفقودة في امتلاك القنبلة النووية بعد أن تخلى عنها حلفاؤها القدماء أمريكا وبريطانيا، وامتنعتا عن تزويدها بالطرق والمراحل التجريبية الميدانية للتفجير النووي، كما استفادت فرنسا بشكل كبير من رؤوس أموال أغنياء اليهود لضمان القوة النووية للكيان الصهيوني بغية تأمين بقائهم في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت الرئاسة الفرنسية أفادت في 20 كانون الثاني الماضي أنها تعتزم القيام بـ”خطوات رمزية” لمعالجة ملف حرب الجزائر، لكنها لن تقدم “اعتذارات”.
جاء ذلك عقب تسلم الرئيس إيمانويل ماكرون تقريراً حول استعمار الجزائر أعده المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا يهدف لإخراج العلاقة بين البلدين من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة.
وفي وقت سابق، كلف الرئيس عبد المجيد تبون مستشاره الخاص عبد المجيد شيخي بالعمل على ملف الذاكرة، بالتنسيق مع بنجامان ستورا، المكلف من الجانب الفرنسي وذكرت مصادر في الإليزيه أنها “عملية اعتراف”، ولكن الندم وتقديم اعتذارات غير وارد”، وهناك أسباب عدة يراها الخبراء من الجزائر بأنها تقف وراء عدم اعتذار فرنسا، وعلى رأسها التعويضات التي قد تطالب بها، كما يرتبط الأمر أيضاً بالدول الإفريقية التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي.
من جانبه يرى العقيد المتقاعد عبد الحميد العربي شريف الخبير الأمني والإستراتيجي الجزائري أن فرنسا لا تريد الاعتذار لأنها ارتكبت مجازر مروعة، حيث قتل أكثر من خمسة ملايين منذ 1832 إلى 1962، وضمنها مجازر جماعية، حيث أبيدت بعض القرى والمدن عن بالكامل.