لن يخرج الشعر عن كونه “مشروعاً ثقافياً” قوامه اللغة، وأسسه رؤية فلسفية معبرة عن موقف الشاعر من كلّ ما يحيط به من أحداث معاصرة..
إذا أخذنا من هذا التعميم المبسط قوته كقاعدة أساسية تخضع إليها – أيضاً- الأعمال الأدبية الأخرى، فسوف يكون من الأجدر بالقصيدة البحث عن تميزها، كجنس أدبي مستقل عن كل ما أتت به اللغة والفلسفة، وتم تقديمه تحت عنوان عريض ألا وهو الأدب: / عبر تاريخ الشعر كان الاختلاف حول ما تم إنجازه من هذا الجنس يقع في حيز الريادة، ويبقى الملفت للنظر، عند تتبع الخط البياني لتلك السجالات النقدية، هو ارتباطها الوثيق مع “جودة الشعر” المشار إليه في ذات المرحلة، وهذا ما يؤكد بأن القصيدة هي ابنة المعاصرة، إذ أن القصيدة تخرج عن كونها نص جمالي مجرد، لتلعب دور المعبر الأقوى عن الاختلافات الفلسفية السائدة في عصرها، بلغة بعيدة عن المتداول الشعبي، لكنها بذات الوقت هي المعبر، والمنبثق عنه على حدٍ سواء !!./ .
– بعد أن سار الزمن في طريق ما بعد الألفية الثانية، حصل اتفاق “شعبي، ورسمي” على أن الشعر تخلى عن سيادته في عالم الإبداع، أما المراجع المكتوبة والشفهية، التي تضج بالاختلاف حول هذا الرأي، فهي تصب عند النهاية في خانة هذا الاتفاق المعلن، ويمكن التعرف عليها من النقاط التي تشير إلى أن الاتكاء على الحداثة الشعرية المستوردة من الغرب الأوروبي هي ساهمت في هذا الانحدار، كون القصيدة في “عالم الحداثة” تخلت عن جزالة البيان، وصار البديع من اللغة في ذمة التاريخ، وخاصة بعد أن هجرت موسيقا الخليل ابن أحمد الفراهيدي عالم القصيدة الحديثة، مما سهّل على الكثيرين الدخول إلى عالم الشعر دون أدنى معرفة بقواعده الأم، وإن كان هذا الرأي بشقه الأخير يشير إلى المرض العضال الذي أصاب الشعر في مراحله الأخيرة، إلا أن الشق الأول منه يشير إلى أن حصر الشعر في بيت الفراهيدي، قد أنهك عزيمة القصيدة العربية، وساهم إلى حد كبير في غياب تشخيص المرض بشكلٍ صحيح بغية البحث عن دواء يمنع وقوع الشعرية العربية في حفرة الشيخوخة، إذا تجاوزنا بأن الشعر مطالب على الدوام بأن لا يتخلى عن شبابه مهما شاءت الظروف المحيطة به!!..
– هل مات الشعر، ودفن في تربة تلك السجلات !!..
الجواب في ذمة “الفلسفة” أليست هي أم العلوم الانسانية، ومنها شقت اللغة طريقها نحو التأويل، والتجديد، فكان الشعر صوتها السري، والأقرب إلى روح العامة والنخبة الثقافية على حدٍ سواء، أم أن الفلسفة في المعاصرة تخلت أيضاً عن ريادتها في عالم الفكر، وباتت عاجزة عن الإجابة في عالم بات الاستهلاك المادي، والقهري عنوانه المفضل !!..