أردوغان في ورطة
تركيا اليوم في ظل النظام الأردوغاني وحزب “العدالة والتنمية” الوريث الشرعي “للإخوان المسلمين” في المنطقة والعالم، فهو باسم الإسلام -والإسلام منه براء- يعيد التاريخ من جديد، كما ادعى أجداده العثمانيون أنهم “رعاة الإسلام وحماية المسلمين”، احتلوا الأوطان باسم الإسلام، ليكون لهم شماعة النهب والسرقة والسلب، وهكذا يفعل سليل “العثمانيين الجدد” أردوغان اليوم وهو في الحقيقة يحاكي السيناريو الصهيوني بالاحتلال والاستيطان وقضم أراضي الغير وتهجير سكانها بغير وجه حق ولكن هذه المرة بطربوش “السلطان” تارة وعمامة “المرشد” تارة أخرى، وبتغذية الصندوق الأسود القطري.
ولأجل ذلك أقام قواعد عسكرية في العراق ليكون على مرمى حجر من الحدود الإيرانية وأقام قواعد عسكرية في قطر لتكون قواته في عمق مياه ومضائق الخليج العربي وأقام قواعد عسكرية في الصومال لتكون قواته على شواطئ خليج عدن وأقام قواعد عسكرية في إريتريا لتكون قواته عند منابع النيل ليضغط على مصر والسودان مائياً بالتوافق مع الكيان الصهيوني وإشغال القاهرة عن الملف الليبي وصولاً إلى شرق المتوسط، وفي المياه الإقليمية والدولية، عبر نقل إرهابيه ومرتزقته ليقاتلوا إلى جانب حكومة “الوفاق” في طرابلس برئاسة فايز السراج وهذا هدفه القريب، أما هدفه البعيد فهو نصب قواعد عسكرية دائمة في شرق المتوسط لاعتراض خطوط نقل الطاقة والتنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري لكل من اليونان وقبرص وصولاً إلى عمق المياه الدولية المتاخمة لحدود فرنسا وإيطاليا وتهديد حدود أوروبا كلها بفتح حدود بلاده للمهاجرين المطعمين بكبار متزعمي الإرهابيين من “داعش” و”النصرة” التي نجح النظام التركي بتفريخ الآلاف منهم لزرعهم في الدول المجاورة وتهديد القارة العجوز بهم ولابتزازها بين الحين والآخر.
بات واضحاً حتى للعامة هذا الكم الهائل من العدائية في سلوك أردوغان لإشباع غريزة “السلطان” المتعاظمة من جهة ولإشغال الجيش التركي وقياداته بمهاترات إقليمية ودولية، وإلهائهم عن الداخل من جهة أخرى لأنه يخشاهم من انقلاب حقيقي عليه وليس مسرحية مفتعلة مثل التي افتعلها لتصفية كل معارضيه.
ولكن ما لم يرد فهمه أردوغان أنه خسر الشارع التركي والكثير من الأحزاب التي تريد علاقة سليمة مع جوارها العربي والإسلامي وهذا الهروب إلى الأمام قد يرضي الكثير من الدول الأوروبية وأمريكا ليغوص أكثر فأكثر في مستنقعات جديدة.
إن “إمبراطورية” أجداده كما كل الإمبراطوريات التوسعية والاحتلالية دفنت وأزيلت، وهذا مصير أحلامه أيضاً، والعد التنازلي قد بدأ كما هو واضح من تخبط أردوغان ونيته العودة إلى النظام البرلماني بعد أن استشعر أنه سوف يفشل في ظل النظام الرئاسي بتأمين الأكثرية النيابية في الانتخابات القادمة، لذا هو يهرب في كل الاتجاهات لتأجيل ساعة الحساب.. ولكنها مجرد أحلام يقظة.