عاد المطر، كما لو أن هواجسه باستعادة ذاكرة البحر حقيقة يتقاسمها مع نافذتي كلما خلا بنا الليل !!..
– في ذاكرة “المتوسط” غابات، وسهول، ومدن تنهمر أرصفتها بين الماضي والحاضر على شكل أقمار تعزز اكتمال البدر فينا، لنغدو بين ضفاف سواقيها قاب قوسين أو أدنى من الرحيل، وقد تكون في بعض الأحيان جزء من حوليات دائرية تحاول على الدوام التمسك بالجسد البشري لترمي به وحيداً في غياهب الحبر، كمحاولة أخيرة للخلود / هكذا تبدأ قطرات المطر بصياغة صفحات تراجيدية فوق صفحات الليل بقسوة أصابع عازف الناي، وهو يجبر ثقوب القصب على استعادة ماضيها مع الساقية التي خرجت من رحمها في لحظة طيش، طيش ليس من صنع رغاباته الغريزية في الاستمرار بمحاذاة الحفيف.. / ..كلّ حكايا السهول خرجت من اتصال خيوط المطر، بثقوب ذاك الناي المتأصل فينا على شكل نوافذ غير مرئية، نوافذ تبدأ من شامة على خد المساء، وتنتهي بدوائر غير مكتملة لهاجس وحيد يقترفنا مع كلّ حول، ونحن نبحث عن الدفء في الجزء الخلفي من الحكاية / ترى من أية نقطة يصاغ ذاك اللحن في شرقنا المربوط بتجليات الروح عند محاولة الاكتمال لأي دائرة آمنت بأن للمطر شجن يشبه إلى حد ما قسوتنا ونحن نستحضر الدموع لتشاركه في الحكاية !!. / تلك هي الرحلة، غير المكتملة دائماً، عندما كنت تراقص امرأة في شوارع اعتاد “ابو العتاهية” الجلوس تحت ظلّ بابها الشرقي، ذاك الظل الذي كان يجمعه مع “ابن عربي” عند الدفاع عن حقك بأن تكون عاشقاً أزلياً لبعدك المكاني، الذي سوف يثبتك بدائرة من البوح، وأنت ترنو إلى حبات المطر، وكأنك في رحلة مستدامة مع البرد !!./ ..هل كل ما سوف يأتي به اللحن هو محض صدفة، أم أن للمدن قوانين تأخذ بالشجن إلى حيث تريد !!./ . للمطر رأي آخر عندما يقرع نافذتك للمثول أمام نقاش غاية في السرية، نقاش حول تلك الاشكالية التي جعلت من أحرف الحكاية لحناً أبدياً يبتعد بنا، إلى حيث يقيم “ابن عربي” و”أبو العتاهية” تحت ظل ذاك القوس الشرقي في انتماءه للمعنى ../ ذاك القوس الذي أنت جزء غير مرئي من عدم استكمال دائرته الحضارية على الدوام ./ .. جزء كان من المفترض أن يُغلق أكذوبة انحسار ذاكرة البحر بين أحرف اللحن، أو تجليها في ليلة ماطرة على شكل صقيع يقدس غياب المعنى !!..