سرد الطيب صالح، بإتقان وشغف، البيئةَ المحلّية السودانية التي كانت مغلقة أمام معارف القارئ العربي, وقد لقيت المحلّيات السودانية بقلم الروائي الراحل تلقّياً طيّباً لدى جمهور واسع من القرّاء العرب، لم يغب عن صنع مناخاته المرحّبة تألّق روايته «موسم الهجرة إلى الشمال», فهل كان نجاح محلياته نتيجة مباشرة لطبيعتها الفنّية المستقلّة عن اسم كاتبها، أم كان النجاح مقتصراً على أنّها مكتوبة بقلم كاتب كبير أنجز عملاً مبدعاً غير مسبوق في سرد المفاصل الأكثر إيلاماً في العلاقة مع الغرب الأوروبي؟.
لم يقتصر سرد المحلّيات العربية, على المحلّيات السودانية، بل تعدّاه إلى كلّ مكان على الخريطة العربية, والكاتب الذي تناول محلّياته الخاصة, يؤمن عموماً بأنّ بيئته تضمّ موضوعات نادرة، وشخصيّات عجيبة تغري بسردها، وعليه واجب سردها, لإصابة عصفورين برمية واحدة، فهو يمارس وفاء أخلاقياً لبيئته التي أنشأته، ويأتي أيضاً بمادّة إبداعية جديدة, والمشكلة أنّ معظم سرود المحلّيات العربية سرود هابطة فنّياً، وسبب الهبوط متركّز في منح الموضوع قيمة كبرى، بالتوازي مع السذاجة الفنّية التي حكمت كثيراً من الأعمال, وبعض المشكلة أنّ ما أراه أنا شديد الجاذبية والجمال، يتحوّل إلى مادّة مملّة، ممجوجة من كثرة التداول، في منظور الآخرين، بالتوازي مع غياب الحرارة السردية، والإتقان الفنّي.
«العزيزة» لزينب عزّ الدين الخيّر رواية تندرج في سياق سرد المحلّيات، وتمتاز بأنها لا تقتصر على مجرّد سردها؛ لقد تناولت الكاتبة مقطعاً زمنيّاً واسعاً من حياة الأرياف السورية في المنطقة الساحلية، وفتحت المكان على العالم عبر استقدام أسرة مصرية، مصابة بلوثة الهجرة، فاستقرت في المكان الضيّق، ثم وسّعته بالسفر إلى العاصمة والعراق ولبنان والعودة إلى مصر, ويمكن عدّ استقدام الأسرة المصرية لتبئير السرد ضربة ناجحة للكاتبة, لكن السرد يتجاوزها لتصبح مرجعية سردية هامشية، إضافة إلى ابتلاء الرواية بكثير من الوثبات الطويلة التي تنقل القارئ من موقع إلى آخر، تحت دافع ملحاح متمثّل بمحاولة قول كلّ شيء، في رواية طويلة نسبيّاً, لم تستطع الرواية ترسيخ شخصيات سردية قادرة على الرسوخ في ذهن المتلقّي، ولم تستطع أن تقول كلّ شيء، مع وعي الكاتبة باستحالة قول «كلّ شيء» والأنساق الخاصّة بالشعر المحكي، لم تمنح النص إضافة ذات شأن, لكن حسب الرواية إنها قالت كثيراً من الأشياء التي يجب أن تُقال، وخصوصاً فيما يتعلّق بالأزمة في سورية التي لم تستطع الكاتبة تجنّب سرد فصول ساخنة من فصولها المؤلمة.