ميّ نجيب نُعيمة
(صانكِ الله وصان ابنتَك الحبيبة من كلّ مكروه، ولو كان لي أَن أَلُفَّكما بشغاف قلبي لما تأَخرتُ لمحة واحدة، ولكنّني أُصلّي من أَجلكما).
بهذه الروح الجميلة العذبة التي حملها الأديب ميخائيل نعيمة صاغ كلماته العطرة، فتلقتها بفرح واعتزاز ابنة أخيه (مي نجيب نعيمة) من عمها المبدع الوفي، وقد كانت عملت على رعاية شؤونه لعقود قبل ثلاث سنوات من رحيله عن دنيانا عن عمر ناهز التسعة والتسعين عاماً كانت مليئةً بالعطاء وحافلةً بالمتناقضات في عصرٍ تميّز بأدبٍ له خصوصيته وعشّاقه الكثر، عُرِف بأدب المهجر، ولكنّ لهذه الرسالة سماتٍ مختلفةً لكونها جاءت في آخر سنيّ عمره من جهة ولكونها تنتمي إلى أدب الرسائل لذوي التجارب المتميزة المتراكمة من جهةٍ أخرى، فلنتمعن في أدق التفاصيل، حركةً وحالاً، في أسلوب المأكل والمشرب ورقيّ التعامل لأبسط الأشياء ومع أبسطها: (لقد حباكِ الله إِلى جمال الصورة جمال الفطرة، فأَنتِ مفطورةٌ على حبّ الصدق والأَمانة والنظافة والترتيب في كلّ شيء، حتى في أَتْفه الأُمور.. طعامُكِ أَبداً شهيّ، وكأْس الماء من يدكِ كأْس من الراح، وبيتُكِ ما شكا الفوضى في أَيِّ ساعة من ساعات النهار والليل..)
إنه ميخائيل نعيمة الّذي أنعم الله عليه بألّا ينسى في شكر من كانت له يدٌ عنده القيمَ الأجمل التي يستحسنها أهلُ الذوق ألا وهي إكرام الضيف، فعمل على تصوير ممدوحته عبر تصوير عنايتها واعتنائها بحال ضيفها، وقد شفع ذلك ببيتٍ قديم يتردد على ألسن الناس في تبيان سماح المضيف وكرمه: (ضيفُكِ أَبدًا معزَّز ومُكرّم حتى ليشعر كأَنّه صاحب البيت، فيصحّ فيه قول الشاعر:
يا ضيفَنا لو زرتَنا لوجدتَنا نحن الضيوف وأَنت ربُّ المنزلِ.)
وكم تكلّم نعيمة عن المحبة وأثرها الشافي في نفوس الناس، ولكنَّ ذلك شيء والحديث عن تجربةٍ شخصية له شيءٌ آخر، ذلك أنه أعطى مصداقيةً ملموسةً لأثر المحبة، فأشعرته، وقد جاوز التسعين، بأنه لا يزال في مقتبل حيوية شرخ أوراد الشباب: (إِنّ محبّتكِ يا بُنَيَّتي لتجعلني أَشعر، وقد جاوزتُ التسعين، كما لو كنتُ لا أَزال في شرخ الشباب، فأَيّ نعمة وأَيّ برَكة أَنتِ في حياتي!).