يسكننا الوقت، ونكتب، ولا أحد يعترف بأن المعجزة التي تدفعه لاستنطاق الحروف هي بمكان التناقض مع الزمن المسيطر – بالكامل – على الفكرة القائمة كمحور رئيس لفعل الإشارة التي تختبئ خلفها الجُمل !!.
إذاً .. نحن أمام تحدٍ ميتافيزيقي كبير مع الزمن، تحدٍ سوف يعترضنا مع كلّ جملة ندونها أمام الغير، سواء كان هذا التدوين في العراء الشفهي للأحاديث المتداولة، أو كان بمثابة سطور نحاول من خلال تبنيها اختراق البياض المتماثل – أبداً- مع الفراغ بكلّ ما يحتوي ضميره الغائب من تأسيس للذاكرة: بهذا التأسيس سوف ندرك أن فعل الكتابة هو جزء من انتصاراتنا التراجيدية للذاكرة الجمعية التي تحدد البنية الأساسية لثقافة مجتمع ما، وهي ذاتها التي سوف نستهلكها بالفطرة على مدار اليوم من خلال تبنيها كمطلق لا يمكن الفرار منه، أو تجاوزها بطموح التحديث، في كلا الحالتين سيتم إنجاز ثقافة معاصرة نكاد نجزم بضمان مستقبلها الحضاري، لكن مع إصرار الزمن على مسيرته القسرية، لا بد من أن نكتشف بأن الماضوية سوف تلاحق ما تم إنجازه، وأن حركة التاريخ، وملازمتها مع فرضيات الزمن هي بمنأى عن الحوارات التي نحاول أن نثبت صحتها – دائماً – بالبراهين الماثلة في ذاكرتنا الجمعية على شكل ثوابت ثقافية حددتها خصوصية البيئة، وتعاقب الفصول على سكانها، ما يجعل الزمن حليفاً مع الانتصارات التي تحققها “الهوية” في بقعة جغرافية، ويجعلنا نحن البشر في حالة دائمة من الانسجام معهما، هذا الانسجام الذي يعزز المعنى الحقيقي للغة كأداة لابد منها لمجمل النشاطات الثقافية، التي تحدد ماهية تطلعاتنا، ومدى انسجامنا مع المعاصرة كأفراد ومجتمعات، وللإحاطة بالموضوع أكثر، لا بد من إبراز الجانب الاقتصادي المرتبط ارتباطاً كلياً بالتغيرات المناخية، بالأوبئة، بالانفجار السكاني كأحد المحاور التي تلازم الزمن في إثبات صحة تراجيديتنا أمامه، ولنقرّ سراً بأن الجُمل التي نطلقها لن تتعدى تطلعاتنا الميتافيزيقية لقهر الزمن !!..
الميديا الحديثة بعالمها الورقي والرقمي، والافتراضي، والشفهي، تحاول تجاوز هذا الحزام الأمني- القهري البعيد عن قراراتنا الوضعية، وعن مسيرة الزمن على حدٍ سواء، ما يجعل من الفوضى – جراء ذلك – هي المسيطر على المشهد الثقافي – الإنساني، تحت مجموعة من اليافطات، منها على سبيل المثال :/ صراع الحضارات، نهاية التاريخ، عولمة الاقتصاد بقوائمه المالية، الإنتاجية، الاستهلاكية / والنتيجة عالم خارج عن السيطرة تعزز مكانته استبدال الهوية القومية، بالانتماء إلى مجموعة من المليشيات تحت اسماء شتى.. لكننا لن ننسى أبداً بأن للفجر طلاسمه التي سوف نفكك أسرارها باستمرار بفعل اللغة – الكتابة ، كآخر ورقة نمتلكها للتصالح مع الزمن ومتابعة الاستمرار ككائنات عاقلة لا بد من وجودها ليكون للحياة فوق وجه الأرض ماضٍ، وحاضر، ومستقبل.