الكتابة الإبداعية – بحدّ ذاتها- حالة من الاغتراب الذي يعيشه الكاتب في مجتمعه، وهذا يعني أن النص المكتوب يولد غريباً، ومن ثم تأخذ طموحاته بشق طريقها في عالم الواقع من خلال تجنيسه كعمل إبداعي له أسّ، وتاريخ ميلاد، وهوية فنية – فكرية محددة في عالم النقد، ولأن الاغتراب لا يملك من الصفات الاستقرار على حال، أو التجنيس ضمن صفة محددة المعالم، باستثناء ملازمته الدائمة لبني الإنسان، فسوف يصارع النص- بعد إنجازه- الصف الأول الذي يقف له بالمرصاد، ألا وهو الجمهور المتلقي لهذا النص بين مؤيد ومعارض، وثانياً الطغمة الحاكمة من النقاد الذين يحاولون إثبات صحة نظرياتهم – المسبقة الصنع- من خلال هذا النص، وفي كلتا الحالتين سيكون الفشل ملازماً لذاك الطموح الذي زرعه الكاتب في صلب سطوره، ما يدفع بالكاتب إلى التخلي عنه، والانصراف لكتابة نص آخر .. نص أكثر صدامية، ورمزية، وتشعباً، وعمقاً، ظناً منه أن العمل الجديد سوف ينتصر لغربته، لكنه يفشل أيضاً، فالطارئ الحضاري، بمعنى مسيرة الحياة في تطورها القسري، والتي كانت سبباً في اغترابه صارت في ذمة التاريخ، وأضحى القاتل والمقتول في حفرة واحدة، ولم يبقَ للكاتب سوى خطاب واحد، يقدم من خلاله نصاً خرافياً يؤرخ للماضي ..
– نحن كائنات ماضوية إذاً ..!!.
الكتابة الإبداعية، هي الموازي الموضوعي لأي مجتمع ولدت منه، فيها تترادف المفردات لإعطاء ما عجز التفسير الشفوي عن جمعة، وإعطاء تفسير واضح لما يحدث من تطورات قسرية عليه.. الكاتب راصد يسير في مؤخرة القافلة، يعتقد مجازاً بأنه الحادي الذي يسير في مقدمة الركب يرى بعين الواثق ما ينتظرها على المفارق، مثلما يعتقد بأنه يلعب دور الدليل والمنذر، يشاركه جمهور القراء، والنقاد في هذا الرأي، بينما الطريق يرسم ذاته بناء على استراتيجية واضحة، ودوافع غامضة، سرية، تبادلية ومتبدلة، يحكمها نمط إنتاج اقتصادي متجدد دائماً، تحدد جائحته حاجات إنسانية معاصرة لا يمكن الفرار منها، تلك المعادلة الضبابية، تشكل بذرة الاغتراب – غير المرئية – التي يعتاش عليها الكاتب ونصه، ويأخذ بمحتواها المتلقي والناقد معاً ليبقى حوارنا المستقبلي محكوماً بصيغة الماضي، ولنبقى باستمرار كائنات ماضوية في إبداعاتنا وثقافتنا على حدٍ سواء ؟!!..