إذا كانت وزارة الخارجية الأميركية لا تمثل حقيقة أميركا كما كتبت كارين باس في “الفورين بوليسي”، فإن معظم شعوب العالم يرون أن هذه الخارجية تمثل بقوة الهوس الاستعماري العدواني الأميركي تجاه الشعوب.
وإذا كانت تشكيلة القائمين على الخارجية الأميركية تعكس التعصب الأبيض العنصري في أميركا، كما أوضحت كارين باس، فإن هذه المؤسسة العنصرية تجاه الشعب الأميركي مجرمة وهمجية تجاه شعوب الأرض أيضاً..
وكي لا يظنن أحد أننا نتحدث عن عنصرية الخارجية الأميركية من منطلق إيديولوجي دعائي، فإنني أذكر أن الكونغرس الأميركي يعمل على قانون “تمثيل أميركا في الخارج” قدم منذ بداية العام 2020 لإصلاح تركيب موظفي الخارجية “ليعكسوا التعدد والتنوع” في الشعب الأميركي بما يتيح للسود والآسيويين والمسلمين و و و.. الحصول على وظائف وفرص عمل في الخارجية الأميركية؛ والعمل على إصدار قانون يرسخ التعددية، يؤكد أن عنصرية البيض هي المتحكمة الآن في هذه الخارجية المتعصبة، وهذا ما يجعلها متأخرة وخارجة عن العصر، وينسف كل الإدعاءات المثارة حول “القيم الأميركية” المعلنة والتي تستخدم كذريعة لعمل هذه الوزارة العنصرية..
كذلك فإن “مكتب المساءلة الحكومية” الأميركي أصدر دراسة أجراها في وقت سابق من هذا العام بينت طبيعة التمييز في انتقاء موظفي هذه الوزارة لتكون عنصرية، إذ إن غير البيض لا يشكلون أكثر من 29% من مجمل الموظفين. وأوضحت الدراسة أن هذه النسبة من الموظفين غير البيض تعيش في بيئات عمل متعالية ومتنمرة؛ وهذا ما يجعل الخارجية محبطة، ومشوهة التفكير، وخائبة وعصابية في التعاطي مع الآخر سواء كان غير الأبيض الملون أو غير الأميركي في أربع جهات الأرض..
على مستوى السفراء انخفضت نسبة السود بينهم إلى 2,8% فقط، وعين ترامب مصمم حقائب يد سفيراً ليمثل أميركا في جنوب إفريقيا وتمييزه وتفضيله على السود الذين يشكل وجودهم في سفارة أميركية في جنوب إفريقيا عنصر تجاوب مريحاً.. كل هذه المعاني أشار لها مقال مشترك كتبه مؤخراً نائب وزير الخارجية السابق وليم بيرنز ومساعد وزير الخارجية ليندا توماس غرينفيليد اللذان أكدا أن ممارسة وزارة الخارجية الأميركية العنصرية (تخنق إمكانات أميركا الدبلوماسية)..
معها حق كارين باس فيما كتبته في “الفورين بوليسي” وزارة الخارجية الأميركية لا تمثل الشعب الأميركي، إنها تمثل الإدارة الأميركية؛ وعلى مدار التاريخ، وكما بنت نفسها على عقيدة عنصرية، فإنها جعلت فعاليتها وعملها في العالم ليس استقطاب تعاون الشعوب الأخرى مع أميركا، بل ركزت عملها على ممارسة العدوان والسيطرة والنهب لكل شعوب العالم.. إنها وزارة خارجية تخدم أطماع واستبداد وعدوان الحكم (الإدارة ) التي تمثلها.
لذلك من الطبيعي أن تكون تركيبتها عنصرية وعصابية وانتقامية.. وقيام مايك بومبيو بجعل الخارجية على شاكلة ترامب جعلها ناهبة وطماعة وعدوانية أكثر وأكثر، والمصيبة أن ترامب وبومبيو يذهبان الآن ولكن الخارجية ستبقى بكل ما أضافاه إلى طمعها ونهبها وعدوانيتها وتعاليها تجاه العالم.. إنها دبلوماسية خطرة على شعبها كما أنها خطرة ومدمرة للعالم، لأنها تخدم الحاكم وطمعه واستبداده فقط، غير عابئة بمصالح الشعب..