وقف إطلاق النار محظور.. غزة «هامشية» في المنظور الأميركي والعين على إيران
تشرين- هبا علي أحمد:
ما الجديد الذي يأمل أو يُؤمل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بتقديمه عندما يقول: حان الوقت لإنهاء حرب غزة؟.. وإن قال ذلك فهل الوقت قد حان فعلاً؟ وهل تستطيع واشنطن فرض شروطها على كيان الاحتلال الإسرائيلي؟ وماذا يعني بقوله إن بلاده لن تسمح باحتلال اسرائيلي لقطاع غزة بعد انتفاء كل مقوّمات الحياة بفعل آلة القتل الإسرائيلية والضوء الأخضر الأميركي؟
موضوع إنهاء الحرب في غزة أصبح هامشياً وثانوياً بالنسبة للأميركي لمصلحة الرد الإسرائيلي على إيران
هذه التصريحات- كما اعتدنا – هي لذر الرماد بالعيون، وتعني أكثر ما تعنيه أن الحرب لن تتوقف والمسار طويل.. وعلى العكس من تلك التصريحات نجد أن موضوع إنهاء الحرب في غزة أصبح هامشياً وثانوياً بالنسبة للأميركي لمصلحة الرد الإسرائيلي على إيران، فواشنطن تستجدي –وهذا في الظاهر- الكيان ليكون الرد محدوداً إلى الحد الذي دفعها لإغرائه بتقديم مكافأة له إن لم يتسع الرد وبالتالي عدم تشعّب التداعيات.
كذلك الأمر بالنسبة للبنان وما أتى به المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، فهو لم يأتِ لبحث وقف إطلاق النار، بل لعرض الشروط والمطالب الأميركية – الإسرائيلية على لبنان والنفاذ عبر الخلافات والاختلافات اللبنانية في سياق الموقف من المقاومة اللبنانية/حزب الله، وبالتالي فإن أميركا مُتجهة نحو التصعيد ومسار العدوان على لبنان طويل جداً، مع العلم أنه من الممكن أن تتبدل المعطيات في أي لحظة، لا سيما أن الفصل للميدان وما لم يُؤخذ بالنار لن يؤخذ بالسياسة، كما أكد مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف، مع تبني رسمي لعملية «قيسارية».
غزة ولبنان
في غزة حيث يقول بلينكن إنه حان الوقت لإنهاء الحرب فيها، يقوم الاحتلال بتطبيق خطة «الجنرالات» القائمة على إفراغ شمال قطاع غزة وإقامة المستوطنات، كما استهدفت طائرات الاحتلال مخيم جباليا مستخدمة القنابل الثقيلة، في حين يواجه الفلسطينيون في المخيم وضعاً كارثياً من جرّاء الحصار الإسرائيلي المستمر من 19 يوماً، بينما أشارت مصادر إلى أن الفلسطينيين شمال القطاع يدفنون الشهداء مكفنين بالأغطية نتيجة نفاد الأكفان من المستشفيات كلها، مع ارتفاع عداد الشهداء والجرحى نتيجة القصف الوحشي المستمر.
مستشفيات شمال قطاع غزة بلا دواء وماء وغذاء وجيش الاحتلال يمنع دخول المنظمات الدولية لإغاثتها مع نفاد الأكفان من المستشفيات كلها
وقال مدير عام وزارة الصحة في غزة منير البرش: إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل حصار المستشفيات شمال القطاع ويقتل المواطنين ويشردهم ويخرجهم قسراً من مراكز الإيواء، مشيراً إلى أن مستشفيات شمال قطاع غزة بلا دواء وماء وغذاء، وأن جيش الاحتلال يمنع دخول المنظمات الدولية لإغاثتها، كما أن الواقع في شمال القطاع مرير والاحتلال يرتكب جرائم حرب على مرأى وسمع العالم.
لكن في غزة الميدان، حيث يواصل المقاومون إذلال العدو بعمليات نوعية توقع أفراد جيش الاحتلال بين قتيل وجريح من بينهم ضباط وقادة ألوية، وعلّقت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس على عمليات المقاومة في شمال قطاع غزة قائلة: لا تزال قوة حرب العصابات فاعلةً، وتمتلك ما يكفي من المقاتلين والذخائر لتوريط الجيش الإسرائيلي في حرب بطيئة وطاحنة وغير قابلة للربح، مضيفة: هذا يوضح كيف صمدت «حماس» لمدة عام تقريباً منذ غزو «إسرائيل» لغزة في تشرين الأول 2023، فالتكتيكات التي تنتهجها الحركة في شمال قطاع غزة، حيث يفرض الاحتلال حصاراً مطبقاً، تجعل هزيمتها أمراً صعباً.
على العموم فإن الرد على بلينكن أتى على لسان لجان المقاومة الفلسطينية بأن أي مقترحات أو حلول لا يكون نتيجتها الوقف الشامل للعدوان وحرب الإبادة والانسحاب الكامل من قطاع غزة وإعادة الإعمار وصفقة تبادل أسرى مشرفة وكاملة، لا تستحق المناقشة، فلا مجال لأنصاف الحلول أو تجزئتها.
لا مجال لأنصاف الحلول أو تجزئتها وأي مقترحات لا يكون نتيجتها وقف العدوان والإبادة والانسحاب وغيره لا تستحق المناقشة
وفي لبنان الذي أتى هوكشتاين لأخذ صك الاستسلام وفتح الباب واسعاً أمام الحرب وفيما بعد الحرب الأهلية إن سارت الأمور، كما يريدها الأميركي، صعّد الاحتلال من حملة القصف الممنهج الذي طال عدة مواقع، في حين أن المقاومة على عهدها ترد على النار بالنار، وعلى الحديد بالحديد، وعلى الدم بالدم، كما أكد عفيف، وكما تؤكد عمليات المقاومة التي افتتحت اليوم وبنداء «لبيك يا نصرالله» باستهداف قاعدة «غليلوت» التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية 8200، في ضواحي «تل أبيب» بصلية صاروخية نوعية، إلى جانب استهداف تجمّع لجنود الاحتلال الإسرائيلي بين بلدتي عديسة ورب ثلاثين بصلية صاروخية لمرتين على التوالي وبفارق دقائق، إلى جانب استهداف مصنع في عكا وآخر في “كريات بياليك” في خليج حيفا، وحصيلة الاستهدافات وعمليات المقاومة مستمرة على مدار اليوم، مع استمرار الاشتباكات الحدودية بين المقاومة وجيش الاحتلال الذي لم يستطع التقدم برّياً جنوب لبنان ولو لبضعة أمتار.
سلاح الجو في حزب الله درس جيداً توزّع «الدفاعات» الجوية الإسرائيلية ما يُصعّب عمليات الاعتراض و«إسرائيل» تدفع أثماناً باهظة في غزة ولبنان
أرق المُسيّرات
أما على صعيد المسيّرات التي تطلقها المقاومة اللبنانية نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تتجاوز الرادارات الصهيونية ووسائل الاعتراض، فما زالت تحتل حيّزاً كبيراً في وسائل إعلام العدو يصل إلى حد الأرق، إذ أكدت وسائل إعلام العدو أنّ الجيش الإسرائيلي لديه نقاط ضعف في التعامل مع الطائرات المسيّرة التي تطلق نحو «إسرائيل»، مشيرةً إلى حادثة من الحوادث العديدة في هذا الإطار والتي كان آخرها رصد طائرة من دون طيار تسللت من لبنان أمس، واختفت عن الرادارات، وتمّ تحذير المستوطنين للانتقال إلى الأماكن المحصنة، حتى لا تتكرر حادثة قاعدة «غولاني»، ما وجّه ضربة لا تقل إيلاماً عن ضربة «غولاني» بسبب فشل المجموعة الاستخباراتية التي تتبع قائد سلاح الجو الإسرائيلي بشكلٍ مباشر، لافتة إلى أن هناك فجوة عملاتية في التعامل مع التهديدات ذات المستوى المنخفض للطائرات المسيّرة، وهذه الفجوة لم تظهر اليوم، بل منذ السابع من تشرين الأول 2023.
وأشارت تلك الوسائل إلى أن سلاح الجو في حزب الله درس جيداً توزع الدفاعات الجوية الإسرائيلية ما يصعب عمليات الاعتراض، مضيفة: «إسرائيل» تدفع أثماناً باهظة في غزة ولبنان.
فشل الأهداف
وفي حين يُمني رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو نفسه ومستوطنيه بإعادتهم إلى مستوطنات الشمال، تتحدث وسائل إعلامه عن استحالة ذلك، إذ أشارت إلى أن حزب الله ما زال ينجح في تعطيل الحياة تماماً في الشمال، وفي فرض روتين صفارات الإنذار في الوسط، لافتة إلى أن ما لا يستطيع الجيش الإسرائيلي تأكيده هو قوله إن خطر الصواريخ والقذائف الصاروخية المنحنية قد زال، والأمر هنا يتعلّق بخطر واضح على كامل المنطقة الشمالية، وصولاً إلى الأغوار وأطراف حيفا الجنوبية.
بالمحصلة وبعد عام من الحرب، أقرّت «معاريف» بأن الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق أهدافها - أي الحرب – وفي «ردع» إيران، ولم تعرف «إسرائيل» كيفية تشكيل تحالف إقليمي ضد طهران، كما أنها لم تُصِغ استراتيجية لإنهاء الحرب، لافتة إلى أن «إسرائيل» تعيش عزلة سياسية جزئية وتحقيقات محكمة لاهاي تحوم فوق رأسها، وبالتالي فقدت قدرتها على الردع في المنطقة، وقد يستغرق الأمر سنوات لاستعادة تفوق الردع.