عن أميركا في «الصورة الجماعية» لقمة مجموعة العشرين..

تشرين – د. رحيم هادي الشمخي:

أياً يكن ما قيل في مسألة غياب الرئيس الأميركي جو بايدن عن الصورة الجماعية في ختام ‏قمة مجموعة العشرين الثلاثاء الماضي.. عن عمد أو من دونه، أو تبعاً لمشكلات لوجسيتية كما ‏قال مسؤول أميركي رافق بايدن، فإن هذه الصورة كانت الأكثر دلالة على أن العالم بات ‏يمضي قدماً من دون الولايات المتحدة الأميركية.
لم يحدث أن تمّ تجاهل رئيس أميركي في أي قمة عالمية كما حدث في قمة مجموعة العشرين ‏الأخيرة التي استضافتها العاصمة البرارزيلية، ريو دي جانيرو، ليس فقط بالصورة الجماعية، ‏بل في البيان الختامي أيضاً، وفي مجمل أعمال القمة على مدى يومين (الإثنين والثلاثاء ‏الماضيين) وهذا لا يتعلق بشخص بايدن أو بكونه بات رئيساً انتقالياً، ولا يتعلق كذلك بانتظار ‏دخول خليفته دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد حوالى شهرين من الآن.. بل هذا يتعلق ‏بأميركا ومكانتها العالمية مقابل الصعود القوي المتواصل لأقطاب عالمية جديدة.‏
أبعد من ذلك أيضاً، كانت هذه الصورة تعكس لحظة تحول عالمي أكثر وضوحاً. لقد عكست ‏خطاً بيانياً في سياق صعود وهبوط التعاون بين أقوى اقتصادات العالم. الصور الجماعية في ‏الاجتماعات والقمم الدولية الكبرى ليست مجرد صور، بل إن المتتبع لها يستطيع بوضوح ‏قراءة مؤشرات عالمية رئيسة بخصوص التعاون والتنافر، الإيجابية والسلبية والحياد، ‏التصعيد والتهدئة، التحالفات القديمة والمستجدة،.. الخ. ففي هذه المناسبات الدولية يميل القادة ‏إلى إظهار توجهاتهم، عندما يبدؤون في الاصطفاف لالتقاط الصورة، فبعضهم يصل متأخراً أو ‏لا يحضر على الإطلاق، وبعضهم يتجاهل الآخر، بينما يتهامس آخرون أو يضحكون على ‏الجانبين، ويمكن للمراقبين استنتاج الكثير بشأن العلاقات الدبلوماسية الدولية، والخطط ‏المستقبلية، والتوجهات العالمية خصوصاً إذا ما كانت المرحلة شديدة الخطورة والتوتر، ففي ‏هذا الصورة بدا واضحاً الانقسام الحاد وغياب الرؤى المشتركة بين القادة، ما يعني أنّ العالم ‏أمام مرحلة صعبة جداً وعلى كل المستويات. وحسب تعبير لوكالة «بلومبرغ» الأميركية فإن ‏هذه الصورة تظهر باختصار حالة من الفوضى لدى الغرب، ما أتاح للرئيس الصيني أن يدخل ‏المشهد ويأخذ مكان الصدارة.‏
وبالنسبة لأميركا فإن أكثر ما يهم هو الصين، إنها هدف ترامب في كل أيام ولايته الرئاسية ‏المقبلة.‏
وترصد بلومبرغ كيف سار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تحت أشعة الشمس في ‏الخارج وحيداً، وذلك بعدما أثار استياء الرئيس الصيني شي جين بينج بانتقاده العلني لبكين في ‏قضايا حقوق الإنسان وإثارته قضية تايوان. وكان التوتر بينهما واضحاً حيث تجنبا الاتصال ‏ببعضهما البعض، ولم يفصل بينهما سوى رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز. ‏
أما الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، فقد كان محاطاً بمضيف قمة العشرين السابق، رئيس ‏وزراء الهند ناريندرا مودي، والمضيف القادم، رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا.‏
في حين كان رئيس الأرجنتين خافيير ميلي يقف خلفه مباشرة بجانب الرئيس الفرنسي ‏إيمانويل ماكرون، الذي يبدو أنه كوّن معه علاقة ودية. وفي الخلف، كان وزير الخارجية ‏الروسي سيرغي لافروف يقف بين نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والرئيس ‏النيجيري بولا أحمد تينوبو.‏
وكان الرئيس البرازيلي أثار غضب الأوروبيين بإنهاء محادثات القمة وإصدار بيان ختامي في ‏اليوم الأول لها (بغياب قادة فرنسا وألمانيا وأميركا) وليس في اليوم الثاني حيث تنهي القمة ‏أعمالها بشكل رسمي. ‏
وفي التفسير لذلك، أنّ لولا داسيلفا أراد قطع الطريق على الأوروبيين والأميركيين معاً لمنع ‏المناقشات حول أوكرانيا، ومنع تضمينها في البيان الختامي، وفي هذا الأمر دلالة كبيرة من ‏جانب البرازيل تحسب لمصلحة روسيا والعلاقات الجيدة التي تجمع الجانبين. وكان المستشار ‏الألماني أولاف شولتس عبّر علناً عن أسفه لذلك قائلاً: لم تجد مجموعات العشرين كلمات كافية ‏لـ «توضيح مسؤولية روسيا عن حرب أوكرانيا». مضيفاً: أصبح من الواضح جداً مدى تأثير ‏التوتر الجيوسياسي على مجموعة العشرين… الرياح التي تعصف بالعلاقات الدولية تزداد قوة.‏
في حين قال ماكرون: الرئيس لولا أنهى البيان، لقد جاء أقل مما كنا نسعى إليها.‏

ورغم أن الصورة الجماعية لقمة العشرين غاب عنها أيضاً كلٌّ من رئيس الوزراء الكندي ‏جاستن ترودو، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إلّا أنّ غياب بايدن كان الأكثر ‏اهتماماً واستقطاباً للتحليلات والتفسيرات، ولم يبدُ مقنعاً قول الجانب البرازيلي إن بايدن ‏والقادة الآخرين تأخروا عن موعد التقاط الصورة، فيما التسجيلات الصوتية كانت تظهر ‏بوضوح أصواتاً تطلب انتظار بايدن.. لكن التجاهل كان هو الرد، وعندما حضر بايدن كان ‏الجميع قد غادر بالفعل، وخسرت أميركا، لأول مرة، فرصة تصدر الصورة.. وعلى المدى ‏البعيد زعامة عالمية تبدو في مراحلها الأخيرة رغم كل ما يُقال عن عهد ترامب و«أميركا ‏أولاً» التي سيُعيد فرضها على العالم.. في قمة مجموعة العشرين/البرازيل، أميركا لم تكن ‏حتى آخراً، بل كان خارج الصورة كلياً.. الرسالة كانت واضحة جداً لترامب.‏
كاتب وأكاديمي عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار