سبعة عروض في مهرجان المونودراما المسرحي الخامس في حماة

حماة- نصار الجرف:
كان جمهور المسرح في حماة، الأسبوع الفائت، على موعد مع عروض مسرحية شيقة وممتعة، في مهرجان المونودراما المسرحي الخامس، الذي أقامته مديرية الثقافة في حماة، حيث قدم على مدار أربعة أيام، سبعة عروض مونودراما، على خشبتي مسرحي ثقافي حماة وثقافي سلمية، إضافة إلى محاضرات حول مسرح المومودراما، حيث قدم في ثقافي حماة عروض “حكاية روح” من تأليف وإخراج كاميليا بطرس، تمثيل الفنانة الشابة جويل مهنا، “المحاضرة” تأليف تشبخوف، إخراج وتمثيل فادي الياسبن، “الطين الأحمر” تأليف محمد سمير الطحان، إخراج محمود عبد الباقي، تمثيل الشابة ديانا الحمصي، “سلم الجنون” تأليف عبد الكريم الحلاق، إخراج محمد التلاوي، تمثيل الشاب أسامة عثمان.
أما المحاضرتان، فهما، الأولى “تجربتي.. المونودراما رؤية في المشهد” قدمها محمد أحمد خوجة، والثانية “مهرجان المونودراما المسرحي في حماة” قدمها مصطفى صمودي.
أما على خشبة مسرح مركز ثقافي سلمية، فقدمت ثلاثة عروض، العرض الأول بعنوان “جلجامش ٢٠٢٤” من تأليف خلف على الخلف، إعداد وإخراج وتمثيل الفنان أيهم عيشة.. يتناول النص محاكاة وحوار بين جلجامش، ذلك البطل الأسطوري، الذي تناول عشبة الخلود وما زال حياً حتى العام ٢٠٢٤، وصديقه أنكيدو الميت، في مقاربة بين جلجامش التاريخ وجلجامش الجديد، وما يتخللها من معاناة ومواقف تعرض لها جلجامش وفق تسلسل زمني، إلى أن وصلنا إلى العام ٢٠٢٤، عالم التكنولوجيا والانترنيت والجوالات، والذي غدا عليه جلجامش في وقتنا الحاضر. بعد أن كان بطلاً أسطورياً، لدرجة كان يتمنى معها الموت ويشتهيه. ولايدركه، مع محاولات لنيله (انتحار) ولكن عبثاً، إلا أن سيرورة الحياة تقول كلمتها، ويدرك الموت جلجامش في نهاية المطاف، على قبر صديقه أنكيدو، لتموت معه الأسطورة والتاريخ.
أما العرض الثاني، فكان “الحفار والغربة” من تأليف الكاتب الفلسطيني د.يوسف حطيني، إخراج نبيل جاكيش ومحمد الشعراني وتمثيل محمد الشعراني، يحكي النص قصة رجل يعمل حفاراً للقبور، ويكره هذه المهنة التي ورثها أباً عن جد، لأنه يرسم ابتسامة أولاده على حساب حزن الآخرين، يعالج العرض، ليس فقط معاناة الشعب الفلسطيني المنفي خارج حدود وطنه، بل معاناتهم حتى في قبورهم في المنفى بعيدين عن ترابهم، خلف الجدار، حيث يوصون أبناءهم الأحياء بنقل رفاتهم إلى أرض الجذور، تعبيراً عن تمسكهم بأرضهم، حتى بعد موتهم.. في العرض يحاكي “أبو أيوب” أصدقاءه الأموات، باللهجة الفلسطينية التي أتقنها، حيث يحفر قبراً لميت وافد جديد إلى “التربة” المقبرة وإذا به يكون ابنه الذي كان يرى فيه المستقبل والأمل المشرق، ويموت أبو أيوب على ذات القبر .
العرض الثالث كان عرض “أيوب” للفنان المسرحي زيناتي قدسية، وهو من تأليفه وإخراجه، يحكي فيه عن بطولات الشعب الفلسطيني وعن أشخاص عاديين غير معروفين، يوثق بطولاتهم، عبر الذاكرة الشعبية التي يجسدها الحكّاء أيوب، لتظل باقية راسخة في الذاكرة الشعبية، في العرض يكسر الفنان قدسية حاجز البعد الرابع في المسرح. عندما يدخل المسرح من بين الجمهور مخاطباً إياه. ويتحدث لطفل صغير بين الحضور، والذي يمثل الجيل الجديد من الشعب الفلسطيني، والذي يريده أيوب أن يحافظ على هذه الذاكرة. وهو المغزى والهدف من العمل ككل، حيث يقول “من لا ذاكرة له لا تاريخ له. لا وطن. وإذا لم يؤد الفن هذه الرسالة فإنه لن يصل إلى الهدف، ولا إيقاع له”.

انطباعات وآراء
على ضوء هذه العروض، خرجنا بعدد من الآراء التقييمية لها، من حيث الأداء والنصوص والإخراج، حيث رأى الأديب والمسرحي، مهتدي غالب، عرض “جلجامش”، بالنسبة للنص كما قدمه المخرج والممثل: بدا خجولاً وفقيراً بالرؤية، حيث ارتجف خائفاً بين يدي الممثل، مما أقفل فكرته وأعماها عن الوصول إلى المتلقين، فيما الإخراج بدا غائباً عن إضافة أي شيء إلى النص المجتزأ والمعد كي يلائم الممثل، أما التمثيل حيث استطاع الممثل أيهم عيشة أن يلعب في مساحاته الآمنة.
أما بالنسبة لعرض “الحفار والغربة”، النص كما شاهدناه يفتقر للبنية الدرامية، وبدا لي عارياً من الدراما وغرق في سردية خطابية ما أرهق الممثل وأتعبه في محاولته الخروج من القيود الخطابية، وكان بحاجة إلى إعداد يأخذه من الخطابية إلى الحكائية الدرامية، إضافة إلى التكرار، رغم المحاولات التمثيلية والإخراجية، إلا أن النص أنهك العرض المسرحي. فيما الأداء التمثيلي كان جيداً وخصوصاً حين يغرد الممثل الفنان محمد الشعراني بعيداً عن الحالة الخطابية للنص والرؤية الإخراجية لم تستطع إخراج العرض من المقبرة إلى فضاءات الإنسان، فبقيت مهتمة بالمظهر على حساب الجوهر.

وفيما يتعلق بعمل “أيوب” فقد قدم لنا الفنان زيناتي قدسية، عملاً مسرحياً بخبراته الحياتية والاجتماعية والفنية، فبدا معلماً بنمط مسرحي صعب، كأنه حكواتي يمسرح الحكايا ويفرد أجنحة الكلمة لتتباهى راقصة بعباءاتها الفلسطينية، تنثر عطرها الإبداعي كفراشة من ليمون فلسطين.. هذا ما رأيته من العروض في سلمية.. فالأعمال الثلاثة كانت تجارب إبداعية جميلة أسعدت المتلقيين في المركز الثقافي بسلمية.
فيما بين الفنان المسرحي علي اليازجي في عرض “جلجامش ٢٠٢٤” من تمثيل أيهم عيشة، أن النص قدم افتراضية حضور شخصية تاريخية قديمة (الملك جلجامش) لتتفاعل مع الوقت الحالي بكل ما تملك تلك الشخصية من ذاكرة ومشاعر كانت تحملها، وأثر ذلك على معطيات العصر الحالي. أو اعتبار بطل الشخصية في المسرحية (جلجامش) -أنها تمثل التاريخ- تمثلت في شخص. في كلتا الحالين، كانت المعالجة الدرامية لتلك الشخصية بسيطة وسطحية، تمثلت في تعاملها ضمن زمن محدد (٢٠٢٤) ومكان محدد (بلد يعاني أزمة- سورية) وتقزيم تلك الشخصية بإنشغالها بأمور ساذجة (عدد النساء اللواتي تعامل معهن– المهنة التي يعمل بها (أستاذ جامعي مطرود وممثل كومبارس). والحوارية التي اعتمدت معاناته مع الناس، كونه جلجامش الحقيقي وسخريتهم من ذلك.
أما بالنسبة للأداء التمثيلي: فلم يكن الفنان أيهم عيشة لتنقصه المهارة بالأداء المسرحي، لكن لكونه اختار أن يكون المخرج والممثل، أثر ذلك على الرؤية الفنية للأداء المسرحي، لم تكن هناك العين الثالثة التي تشاهد التمثيل وتقدم الملاحظات الفنية المطلوبة. صحيح أن فن المونودراما يعتمد على ممثل واحد فقط، لكن هذا خلال العرض فقط. لكنه يحتاج إلى كادر، يعملون معه وأهمهم، مخرج يقدم الرؤية الإخراجية، التي هي ليست النص وليست الممثل. لا شك قد ينجح البعض بأن يكون كاتباً ومخرجاً لكن هذا يتطلب مهارات عالية لا تتوفر عند الجميع.
حاول الممثل التلوين بأدائه، لكنه لم يكن كافياً ليرفع من سوية النص الذي تشوبه الملاحظات، كان الإيقاع الداخلي للممثل مقبولاً نوعاً ما لم يأخذ التركيز الكافي، والتلون في الشخصية وكسر حالة الخط الواحد بالأداء يحتاج أيضاً لاهتمام أكثر.
أما ما يتعلق بعمل “الحفار والغربة” تمثيل محمد الشعراني، فإن النص عالج فكرة أثر غربة الفلسطينيين من وجهة نظر حفار القبور. حيث عكس أثر التهجير والابتعاد عن الوطن حتى من ناحية الأرض، التي تحن على أبنائها. حفار القبور هذا يعاني من مهنته بسبب نظرة الآخرين له وما يمثله من تعامله مع الموتى وخوف الناس الدائم من الموت، ومع من يتعامل معه. الحوارية عكست هواجس حفار القبور بحياته وبعلاقاته مع محيطه، لذلك لم يبق له سوى الموتى يتحادث ويتسامر معهم براحة تامة، لأنهم هم فقط من يستمعون إليه. يقدم لنا “أبو أيوب” علاقته بابنه الذي يأمل له مستقبل أفضل وبالعودة إلى الوطن. لكنه ينصدم بموت ابنه ليموت هو أيضاً.
في المعالجة الدرامية، أغلب الشخصيات التي تعامل معها بطل المسرحية هم أشخاص -لنقل فاسدين- (المختار وغيره) وكانوا الأكثر حضوراً في حوارية أبي أيوب حيث القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى إبراز هؤلاء أكثر من الحديث عن المقاومة ودورها. على الرغم من التنويه لهم، لكن الحضور الأكبر بسرد هذه المسرحية هو لأشخاص تفاعل معهم وتأثر أو تألم منهم هم الفاسدون. النص كان يمكن اختصاره أكثر لاسيما مع وضوح الفكرة.
وبخصوص الأداء التمثيلي، حاول الفنان محمد الشعراني أن يوظف كل مهاراته بنقل هذه الحالة السردية في النص وإضفاء عليها ما يملك من روح لنتعايش معهم، وكان موفقاً بذلك. ربما أتعبه طول المسرحية السردية حيث التلوين المسرحي كان حاضراً لديه ونقل لنا أحاسيس أبو أيوب بكل إخلاص.
وما يحسب للمخرج هو ما يضيفه من رؤى وصور فنية على النص ليضفي عليه ما يمتع المشاهد. لذلك كانت بداية العمل صورة حنظلة المعهودة له لتعطي هذه المقاربة. وكذلك حتى في الديكور كان حنظلة حاضراً في كل قبر..
فيما رأي الإعلامي والشاعر فاتح كلثوم، أن الفنان أيهم عيشة، في عرضه المسرحي “جلجامش ٢٠٢٤” لم يستطع الوصول إلى عمق المونودراما، وبالتالي، الحركة على المسرح كانت خفيفة ولكن متقنة، والمضمون لم يصل إلى الجمهور لأنه لم يقدم روح النص، فقط قدم جسد النص، لأن النص المسرحي يحتاج إلى روح ليبقى. وليس الى نص فقط. وكان مأخذا على العرض أنه لم يكن هناك مخرجاً للعمل. ويصعب على الممثل الوصول إلى فنية النص لوحده.
أما بالنسبة لعرض “حفار القبور” فإن النص قديم، يبنى على شخصية حنظلة، الإنسان الفقير، كما غابت عن العرض هذه الشخصية، فبدأ نصاً مرتبكاً، يطرح شعارات فارغة من المضمون، ولم يرتق العرض إلى مستوى النص، ولم يعرف أبعاده، وماذا تعني شخصية حنظلة في الثقافة الفلسطينية، حيث قدم النص فقط، من دون روح النص “شخصية حنظلة” الذي كان يشكل البياض بين السطور، وحنظلة كان مخفياً بين السطور.

وبدا أن النص قدم من الناحية الشكلية فقط، ولم يتم إسقاط الأحداث الجديدة على الماضي، لغة الجسد من صوت وحركات كانت واحدة ومتشابهة بكل المشاهد.
عموماً في العملين، وحتى في حال عدم الوصول إلى الجمهور “المتلقي” تبقى محاولة جيدة تستحق الثناء، حيث، في المونودراما تحديداً، يجب على الممثل أن يجذب الجمهور إلى معايشة الحالة، لأن الجمهور هو باقي أفراد المسرحية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار