«ناتو» والعناوين المستترة في قمته المقبلة.. ظل ترامب يُخيم.. غزة ولبنان يتقدمان.. وأوكرانيا حاضر غائب
تشرين – مها سلطان:
مساحة مهمة حجزتها مسألة قيام حلف شمال الأطلسي «ناتو» بدعوة دول عربية والكيان الإسرائيلي، لحضور قمته الـ75 المقررة يوم الإثنين المقبل في العاصمة الأميركية واشنطن، ومن البديهي القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ستكون حاضرة بقوة، خصوصاً في ظل تكثيف واشنطن جهودها في الفترة الماضية لمنع توسعها باتجاه لبنان، علماً أن المخاوف حول توسع الحرب ما زالت قائمة، حيث التصعيد على جبهة الشمال/جنوب لبنان ما زال عالي المخاطر.
وليس بالضرورة أن يكون هذا الملف مدرجاً على جدول أعمال القمة كبند رئيسي، إلا أنه سيكون مدار بحث مهم ومكثف في سياق لقاءات ثنائية أو ثلاثية أو أكثر.. ومن بين الدول العربية المدعوة (على مستوى وزراء الخارجية) مصر، الأردن، قطر، تونس، الإمارات، والبحرين.
بين غزة وكييف
وفي التبريرات، يقال: إن من عادة حلف «ناتو» دعوة بعض شركائه لحضور اجتماعه السنوي، وفي اجتماع القمة المقبل دعت أميركا وزراء خارجية ما يصل إلى 31 دولة لديها شراكات مع الحلف، من بينها أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وعلى سبيل الذكر في قمة الحلف الماضية (تموز 2023) في فيلينيوس تمت دعوة شركاء من منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
من البديهي أن تكون غزة حاضرة في قمة ناتو المقبلة في ظل الجهود الأميركية المكثفة لمنع توسع الحرب واحتواء التصعيد الذي لايزال عالي المخاطر
وحسب المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، إليزابيث ستكني، فإن القمة ستركز على شراكات الحلف مع الدول غير الأعضاء، مشيرة إلى أن دعوة دول عربية إلى القمة هي وسيلة الولايات المتحدة «لتوضيح قيمتها كقوة تجمع وبما يظهر تحالفاتها المتعددة الأطراف».
وأضافت المتحدثة الأميركية: إن مشاركة دول عربية «تأتي ضمن الأجندة الإيجابية المشتركة بين الحلف وشركائه لمعالجة التحديات المشتركة في مناطقهم».. وفي هذا إشارة واضحة إلى منطقة الشرق الأوسط وتطوراتها وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكن المتحدثة الأميركية لم تذكر غزة في تعدادها للتحديات، حيث أشارت إلى الدفاع السيبراني والتقنيات الناشئة والحديثة والأمن البحري والانتشار النووي وتغير المناخ ومرونة سلاسل التوريد ومكافحة التضليل الإعلامي.
وحسب صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، فإن مشاركة دول عربية ستقود فعلياً إلى تسليط الضوء على ما يعتبره العديد من الدبلوماسيين تناقضات في موقف واشنطن بشأن أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة منذ حوالي تسعة أشهر.. علماً أن «ناتو» بمجمله ينقسم بحدة بشأن أوكرانيا وغزة، ففيما يتوحد على دعم نظام كييف الذي يتزعمه فلوديمير زيلينيسكي، ينقسم العديد من أعضائه وشركائه بشأن غزة.
ولا يخفى أن مسار التطبيع سيكون حاضراً، باعتبار أن الولايات المتحدة تعتبره حلاً من جهة، ومدخلاً من جهة أخرى لإنهاء الحرب على غزة وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
كابوس ترامب
أما أوكرانيا التي تسيطر ظاهرياً على العناوين المتعلقة بالقمة، فتبدو تحت «رحمة عودة ترامب» وما تمثله هذه العودة من كابوس، ليس لنظام كييف فقط، بل لمجمل دول الاتحاد الأوروبي.. علماً أن الأمر نفسه يقال بالنسبة لمنطقتنا والحرب الإسرائيلية على غزة، حيث يبدو الجميع في سباق مع الزمن لحلحلة القضايا العالقة، قبل عودة ترامب، واتخاذ «إجراءات حماية وتحصين» لما يمكن التوصل إليه من حلول واتفاقات، من النقض على يد ترامب.. طبعاً الجميع يبدو مقتنعاً بحتمية عودة ترامب، من دون انتظار لما سيقرره الحزب الديمقراطي بشأن مرشحه الرئيس الحالي جو بايدن.
القمة أمام سؤال مركزي: كيف يمكن تحقيق حماية مسبقة للقرارات والاتفاقات من النقض على يد ترامب في حال فاز بالانتخابات الرئاسية؟
وبقدر ما يمكن للقمة أن تكون سلبية فيما يخص ترامب والتعاطي معه خلالها، بقدر ما يمكن أن تكون إيجابية إذا ما «أحسن الأداء» لتكون تبريرات «الإرهاق والتعب بفعل السفر الخارجي» مقنعة، ولكن التوقعات بالعموم تنحو باتجاه الأسوأ.
وحسب فريق من الديمقراطيين فإن بايدن يمكنه استخدام القمة لطيّ صفحة المناظرة المشؤومة مع ترامب وإعادة التأكيد على سجله الخارجي، بينما يرى آخرون أنها قد تسرع عمليات شراء الأسلحة الرئيسية، التي كان الحلفاء قد باشروا بها منذ فترة، على خلفية الحرب في أوكرانيا، تحسباً من تهديدات ترامب بعدم الدفاع عن أي حليف إذا لم يدفع.
ومما لا شك فيه أن مشاركة بايدن في القمة ستحظى بتركيز إعلامي كبير، حيث ستحرص وسائل الإعلام على تغطية دقيقة في سبيل التقاط أي مؤشرات على حالة بايدن الصحية والذهنية.
مستقبل بايدن
ونقلت وسائل الإعلام الأميركية عن مسؤولين أوروبيين قولهم، إنهم مهتمون بمستقبل حملة الحزب الديمقراطي، وإذا استمر بايدن في الأداء الضعيف فقد يكونون أمام فوز محتمل لترامب، يأتي ذلك في وقت سيسعى فيه بايدن إلى إعادة التأكيد على رسالته حول «عودة أميركا» والإشادة بتوسيع الحلف، مع انضمام السويد وفنلندا إليه، مقابل ترامب الذي أبدى استعداده لنفض اليد منه.
ويبدو من سياق التحضيرات والتجهيزات أن البيت الأبيض يخطط بدقة للقمة لضمان أن تبدو الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون متحدين، خاصة ضد روسيا، ولذلك يسعى المسؤولون الأميركيون إلى عدم إثارة أي قضايا خلافية، بما فيها عدم دفع الأعضاء لحصصهم المالية.
بايدن سيكون ملفاً بارزاً (غير معلن) على طاولة القمة كما سيكون محل ملاحقة إعلامية دقيقة لالتقاط أي إشارات حول حالته الصحية والذهنية
وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الإثنين، خلال مشاركته في ندوة لمعهد «بروكينغز» في واشنطن، فعند سؤاله عن الهواجس التي أعقبت المناظرة بين بايدن وترامب، قال: إن حلفاء الولايات المتحدة «رأوا رئيساً أعاد استثمار أميركا، وأعاد استثمارها في العالم، كما أعاد الاستثمار في هذه التحالفات، وفي هذه الشراكات بالطرق التي يسعون إليها ويريدونها»، وأضاف بلينكن: بايدن كان مسؤولاً عن تعزيز الثقة «بشكل كبير» بالقيادة الأميركية حول العالم منذ توليه منصبه.
«حماية» أوكرانيا
وتحسباً لعودة ترامب، فإن قمة ناتو تتجه، حسب التوقعات، إلى تحصين ما اتخذته من قرارات حول أوكرانيا بقرارات سياسية ومالية وميدانية جديدة غير قابلة للنقض على يد ترامب.
صحيفة «بوليتيكو» الأميركية كشفت في عددها أمس أن أول خطوة سيتخذها ترامب في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من تشرين الثاني المقبل، هي التخلي عن فكرة توسع «ناتو» شرقاً، وسحب الضمانات الأمنية لدوله. ونقلت عن خبيرين في الأمن القومي من أنصار ترامب، قولهما: إن ترامب يعمل على اتفاق يلتزم بموجبه «ناتو» بعدم التوسع شرقاً، خاصة في أوكرانيا وجورجيا.
وحسب الصحيفة فإن ترامب يدرس صفقة من شأنها المساهمة في التوصل إلى اتفاق مع بوتين بشأن الدول التي ستتمكن من الانضمام إلى الحلف في المستقبل.
ووفقاً للصحيفة فإن دول الحلف التي تنفق أقل 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع ستكون في خطر سحب ترامب لضمانات الولايات المتحدة منها في حال فاز، بالرغم من أن «المظلة النووية» الأميركية نفسها والقواعد العسكرية ستبقى في أوروبا.
وأوضحت الصحيفة الأميركية أنه يمكن اعتبار هذه الخطوة بمنزلة انتهاك للمادة «5» من معاهدة ناتو، التي تلزم جميع أعضاء الحلف باتخاذ «التدابير اللازمة» لتقديم المساعدة للشركاء الذين تعرضوا للهجوم.
ومع ذلك، فإن فريقاً من القانونيين يشيرون إلى أن المادة «5» هي مادة مرنة لا تلزم أي عضو بالرد بالقوة العسكرية.
تهديد روسيا
وكانت الخارجية الأميركية – وفي سياق التحسب لترامب ومواقفه بخصوص أوكرانيا تحديداً، أشارت إلى أن الولايات المتحدة قد توسع عمق الأراضي الروسية المستهدفة من قوات نظام كييف بوساطة الأسلحة الأميركية/الأوروبية التي يتم تزويده بها.
وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأوروبية، جيمس أوبراين: إن القوات الأوكرانية ستزيد مدى ضرباتها ضد الأراضي الروسية، إذا توسع نطاق الجبهة.
وأضاف خلال جلسة استماع اليوم في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي: في البداية استهدفت القوات الأوكرانية، المنطقة التي نفذت روسيا منها هجومها بالقرب من خاركوف. وحالياً كما قال جيك سوليفان (مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي) الأسبوع الماضي، إذا حاولت روسيا توسيع هذه الجبهة فسيتم السماح لأوكرانيا بالوصول إلى أهداف على مسافة أكبر داخل روسيا.
ومن ضمن الإجراءات أيضاً، إرسال مسؤول مدني كبير يختص بتنسيق العمليات في أوكرانيا، وقد يتم إقرار ذلك خلال القمة، حسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.
وحسب الصحيفة فإن «ناتو» يعمل على إنشاء قيادة جديدة في مدينة فيسبادن بألمانيا لتنسيق توفير المعدات العسكرية لكييف وتدريب القوات الأوكرانية، مشيرة إلى أن من المنتظر مشاركة قرابة 700 عنصر من قوات الحلف في العملية.
وأوضح مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون أن الخطوات الجديدة ستمكن التحالف من تنسيق جهود الدول الغربية بشكل أفضل لتزويد أوكرانيا بالدعم العسكري، وبينوا أن المسؤول المدني الكبير في كييف سيعمل على متطلبات تحديث القوات المسلحة الأوكرانية على المدى الطويل، إضافة إلى الدعم غير العسكري وربطه بقيادة “فيسبادن” في ألمانيا ومقر ناتو في بروكسل.
وتعد هذه الخطوات تحولاً مهماً في وضع حلف ناتو الذي حافظ في البداية على مسافة بعيدة عن الحملة العسكرية في أوكرانيا، لتجنب اتهامات المشاركة في الصراع، لكن التغييرات التنظيمية تعني أن الاتحاد مستعد الآن للقيام بدور أكبر في مساعدة كييف على محاربة روسيا، حسب الصحيفة.
أوروبا المتطرفة
ويأتي كل ذلك مربوطاً بالتطور الأهم على الساحة الأوروبية، بعد الاكتساح الذي حققه اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية الشهر الماضي، وهو الأمر الذي انسحب على فرنسا وانتخاباتها البرلمانية التي جرت الإثنين الماضي في جولة أولى، وتأثير كل ذلك «إضافة إلى احتمال عودة ترامب» على مجمل القضايا، وليس فقط على أوكرانيا.. فلقد باتت القضايا المركزية أكثر إلحاحاً بفعل أن قرارات «ناتو» والأوروبيين باتت أكثر عرضة للتقلبات السياسية.
وبكل الأحوال، يبقى أن الأمر الوحيد المؤكد هو أن «ناتو» في قمته المقبلة لن يدعو أوكرانيا إلى الانضمام إليه. وحسب مدير شؤون أوروبا في مجلس الأمن القومي الأميركي، مايكل كاربنتر، فإن ما سيتم تقديمه لأوكرانيا هو «جسر مؤسسي» لعضويتها في ناتو، وقال: نحن حذرون للغاية فيما يتعلق بانخراط ناتو في أوكرانيا.. هناك دائماً حاجة إلى التوازن