خيال الظل “كركوز نيهاو صين”.. عرضٌ ارتجاليٌّ تنقصه الجديّة
تشرين- لبنى شاكر:
آخر مُخايلي سورية؛ هذا ما كان يُعرف به شادي الحلاق قبل أعوام، شابٌ ورث المهنة عن أبيه الحكواتي، بدأ تقديم عروضه المسرحية عام 1993 وتوقف مع بداية الحرب، إلّا أن إعلان اليونسكو إدراج مسرح خيال الظل السوري ضمن قائمة التراث العالمي عام 2018، وفي تفاصيله اعترافٌ دولي بفنٍ تاريخي يُوشك أن يندثر، أعاد الانتباه إلى الحلاق الذي صنعَ نسخةً سوريّة وحيدة للدميتين الشهيرتين كركوز وعواظ من جلد البقر، معتمداً على الألوان المائية التي تتيح نفاذ الضوء من خلالها، وفي خطوةٍ لاحقة احتفلت الأمانة السورية للتنمية بتخريج أول فريق من مُخايلي مسرح الظل في سورية، نتاج برنامج تدريبي لمدة ثلاثة أشهر في التكية السليمانية في دمشق.
مسرح خيال الظل أول عنصر من التراث الثقافي اللامادي السوري أدرجته منظمة اليونسكو على قوائم الصون العاجل سنة ٢٠١٨
ومع هذا كلّه، عاد الصمت إلى خيال الظل السوري، فلم نسمع عن فعالياتٍ أقامها المُخايلون الجدد، ويبدو أن محاولات تعاطيهم مع الفن كمهنة لم تنجح أيضاً، إلى أن ظهر إعلانٌ قبل أيام، عن عرضٍ مشترك لمسرح خيال الظل سوريٍّ – صيني على خشبة القباني، بين الحلاق وتشو تشين شي مندوب جمعية التراث اللامادي في الصين، حاملاً عنوان “كركوز نيهاو صين”، وعلى ما يقوله المترجم فالفنان الباحث في تراث بلده المُمتد عبر طريق الحرير القديم مُتضمناً فنوناً وحِرفاً وتقاليد، فُوجِئ بأن خيال الظل رغم أصوله الصينيّة، اكتسب ملامح مُختلفة عندنا، بما في ذلك أدوات تحريك الدمى ونوعية جلدها وألوانها، إضافة بطبيعة الحال إلى الشخصيات والمواضيع، وبعد لقاءاتٍ مُتتالية مع الحلاق، قررا إقامة عرضٍ معاً.
محاولات الارتجال البعيدة عن التحضير الجدي في العرض أظهرت استهانةً غير مفهومة بالجمهور
ورغم أن النسخة السوريّة تعتمد التحريك بالعصي خلف شاشة عليها بعض الرسومات المُتعلقة ببيئة الحكاية، على عكس الصينية القائمة على دمى مصنوعة من جلد الحمير تتحرك بواسطة أسلاك معدنية وقطع خشبية، عبر شاشةٍ بيضاء بالكامل، إلا أن الفنانين وجدا قواسم مشتركة، واتفقا على أن تكون كلمة “نيهاو” أي أهلاً باللغة الصينية، موضوعاً للعرض، حيث يتعرّف كركوز على جاكي شان لاعب الكونغ فو المُحترف في موقفٍ طريف، وسرعان ما يشرح له الأخير أهمية هذه الرياضة التي تُعلّم التسامح ومساعدة الآخر، حتى يُصبحا صديقين، وعندما يحكي كركوز لعواظ عن لقائهما، يعودا لتكرار الكلمة “نيهاو صيني”.
الباحث الصيني فُوجِئ بأن خيال الظل رغم أصوله الصينيّة اكتسب ملامح مُختلفة في سورية
مع بدء العرض الذي استمر حوالي نصف ساعة، وكان يكفيه عشر دقائق، بدا خالياً من أي اشتغالٍ حقيقي على النص، حتى إن محاولات الارتجال البعيدة عن التحضير الجدي، أظهرت استهانةً غير مفهومة بالجمهور، وجزء منه أطفالٌ وجدوا أنفسهم يُرددون عباراتٍ لا رابط بينها، استجابةً لنداء الدمى بصوت الحلاق الذي حاول كسب تفاعلهم، لكن بلا جدوى، أمّا الأكثر غرابة فهو التعاطي مع التجربة عامةً دون استثمار لما يُمكن أن تكون عليه فيما لو سعى القائمون عليها لذلك، فلا حكاية واضحة تجمع الشخوص القادمة من حضارتين قديمتين، ولا نصٌّ مدروساً لحوارٍ مُجدٍ بينها، يُضيف شيئاً من المتعة والفائدة، ولا مبالغة في القول إن العرض فقيرٌ وخاوٍ، وكان الأفضل التراجع عنه طالما أن لا شيء لديه ليقوله، عوضاً عن التهاون والاستخفاف بالفن نفسه وبالجمهور الذي سيُفكر طويلاً عندما يقرأ مرة ثانية إعلاناً عن مسرحية لخيال الظل.