معضلة التسويق حجر عثرة أمام المنتجات.. قدم الآلات وضعف دخل العمال وغياب الأبحاث التسويقية عمقت الأزمة

تشرين- رشا عيسى:
توازي مرحلة التسويق من حيث الأهمية مرحلة الإنتاج في النشاط الاقتصادي، وضعف هذه الحلقة يشكل عائقاً حقيقياً أمام وصول المنتج إلى الأسواق وتحقيق المنافسة المطلوبة وبالتالي تحقيق الأرباح.
والضعف المسجل في بعض أنواع المنتج المحلي حالياً من حيث نجاح عملية التسويق يعود لأسباب متعددة ترتبط بشكل رئيسي بخسارة الميزة التنافسية في السعر والجودة الجيدة التي كان يمتاز بها، متأثراً بعوامل الحصار وقدم الآلات وضعف دخل العمال القائمين على العملية الإنتاجية.
الخبراء اقترحوا التركيز على دعم المنتجات التي نتميز بها كالملبوسات القطنية وبعض أنواع المنظفات كصابون الغار، إضافة إلى المأكولات السورية والحلويات التي تلقى رواجاً في الكثير من دول العالم، وإنشاء أقسام متخصصة بالأبحاث التسويقية في المنشآت، وتزويدها بالأجهزة والتقنيات اللازمة لعملها، والاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي للتسويق، وأيضاً من انتشار السوريين في بلدان الاغتراب، وطرح القطاع العام الإنتاجي للاستثمار من القطاع الخاص بغية تجديد آلات العمل والعودة لامتلاك صفة المنافسة السعرية والجودة التي كانت عنواناً أساسياً للمنتج الوطني.

عمليات أساسية
الباحث الدكتور مجد نعامة أكد لـ«تشرين» أن عملية التسويق تعدّ من العمليات التي لا تقلّ أهمية عن عملية الإنتاج ذاتها في إطار النشاط الاقتصادي لأي منشأة، فالتسويق الناجح يستطيع تحقيق أرباح جيدة للمنشأة، حتى في الحالات التي يزيد فيها الإنتاج على حاجة السوق أو ما يسمى اصطلاحاً بـ«الكساد».

نعامة: عملية التسويق من العمليات التي لا تقلّ أهمية عن عملية الإنتاج ذاتها في إطار النشاط الاقتصادي لأي منشأة

وحدد نعامة أن أحد أهم أسباب فشل التسويق في المنشآت هو ضعف الأبحاث التسويقية، وبشكل خاص الأبحاث التي تتناول سلوك المستهلك النهائي ورغباته وقدرته الشرائية، لأن المستهلك يمثل الجانب المحدد للكفاءة التسويقية لأي منشأة، وبقدر النجاح الذي تحققه الأبحاث التسويقية في التعرف على أذواق المستهلكين وتحديد رغباتهم بالشكل والمضمون والوقت والمكان المناسبين تزداد الكفاءة التسويقية للمنشأة وتصبح أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق.

الأبحاث التسويقية
لا تشمل الأبحاث التسويقية الدراسات الأولية لأذواق ورغبات المستهلكين فحسب، بل هي أبحاث مستمرة تأخذ في الاعتبار مدى رضا المستهلك عن المنتج بعد استهلاكه وما أهم ملاحظاته حوله حتى يتم العمل على تداركها في المراحل القادمة، وصولاً إلى إنتاج المنتجات بالشكل والوقت والسعر المناسب للمستهلك النهائي.
كما تشمل الأبحاث التسويقية الطريقة التي يتم بها التعريف بالمنتج، أو ما يسمى الإعلان عن المنتج بالشكل المرغوب الذي يجذب الشريحة المستهدفة منه.
واقترح نعامة إنشاء أقسام متخصصة بالأبحاث التسويقية في المنشأة، وتزويدها بالأجهزة والتقنيات اللازمة لعملها، وخاصة فيما يتعلق بالبرمجيات الحديثة (كبرامج الذكاء الاصطناعي)، التي تتمتع بالقدرة على التنبؤ بسلوك المستهلك بسرعة ودقة فائقة.

تخزين البيانات
وأيضاً العمل على تخزين البيانات والمعلومات الخاصة بالأسواق وأذواق المستهلكين بشكل مستمر وتراكمي، لأنها الأساس في رسم خطط الإنتاج والتسويق المستقبلية، وتحقيق التكامل والتنسيق المستمر بين أقسام الإنتاج والتسويق، وأن تتمتع أقسام الإنتاج بالمرونة الكافية لتعديل خططها بما يتلاءم مع نتائج الدراسات التسويقية، والاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات إعلانية للمنتجات، نتيجة الاتساع المستمر في مستخدميها وقدرتها على تأمين الاتصال التفاعلي بين المستهلك والمنشأة، فضلاً عن أنها أقل تكلفة مقارنة بالإعلانات المطبوعة.

الجاموس: التسويق الدولي أصبح ملزماً للسوق المحلي

انتقال المنتجات
الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس قدم تعريفاً علمياً للتسويق، بأنه كل العمليات اللازمة لانتقال المنتجات من أماكن إنتاجها إلى أماكن استهلاكها، وبالتالي مع اعتماد التسويق الدولي ووجود وسائل النقل أصبحت عملية التسويق صعبة على الشركات المحلية، وأضحت تواجه منافسة قوية جداً نتيجة سهولة انتقال المنتجات سواء عبر القطارات أم الطائرات أو البواخر، أي إن التسويق الدولي أصبح ملزماً للسوق المحلي.

قِدم الآلات
السبب الرئيسي لضعف الجودة هو عدم مواكبة التطورات التقنية السريعة جداً سواء من حيث الآلات أم غيرها، حيث الآلات الموجودة في القطاع العام الإنتاجي يقدر عمرها الوسطي بـ25 عاماً وهذا العمر مستهلك فعلياً.
اليوم في الدول المتقدمة لمواكبة التطورات في السوق وللمحافظة على حصتها في هذا السوق تعمل على استبدال الآلات خلال عمر قدره خمس سنوات، وفي بعض الدول مثل اليابان يتم استهلاك الآلات خلال ثلاث سنوات لمواكبة التغيرات التي تحصل دائماً، وبالتالي الاستفادة من هذا التطور.

ضعف الجودة والمنافسة
كما حدد الجاموس لـ«تشرين» مجموعة أسباب لضعف التسويق تتعلق بالجودة وصعوبة وصول المواد الأولية، وضعف مستوى دخل الفرد العامل ما يجعله غير جدي في عملية الإنتاج، فضلاً عن العمر الطويل الاستهلاكي للآلات التي يتم عبرها إنتاج هذه المنتجات، وأيضاً هناك عنصر المنافسة الذي يعد عنصراً أساسياً في عملية التسويق والذي يغيب حالياً عن منتجاتنا.
الجاموس بيّن أنه في السابق كنا نتميز قبل الأزمة وخاصة من ناحية السعر حيث كانت منتجاتنا تغزو الأسواق الخليجية وأسواق الأردن والأسواق الشرق أوسطية، وكان العنصر المميز هو عنصر السعر مع وجود جودة جيدة.
وحسب التجربة الصينية، كما أوضح الجاموس، فإن لكل سوق في العالم هدفاً، وله جودة معينة مع سعر معين، مثلاً الأسواق في الدول التي تصنف فقيرة تكون الجودة فيها منخفضة وبأسعار أيضاً منخفضة، أما المنتجات التي تغزو الأسواق الأميركية فهي بجودة عالية وبأسعار منافسة.. فوجود الجودة مع السعر يعد معادلة مناسبة جداً لعملية المنافسة، وهذا كان متحققاً محلياً قبل الحرب التي عانى منها بلدنا.
ويشرح الجاموس بأن هناك اليوم متغيرات الحصار والعقوبات، وصعوبة الحصول على المواد الأولية التي تسجل تكاليف عالية جداً، والحصول عليها حالياً يتم بأسعار مرتفعة نتيجة بعض القرارات الحكومية منها طريقة الإنفاق الاستهلاكي، وإطالة عمر الحصول على إجازة الاستيراد، وتغيرات سعر الصرف، وهذه العوامل مجتمعة انعكست على تكلفة الإنتاج التي أصبحت عالية، وبالتالي فقدنا كسوق محلي ميزة مهمة جداً من مزايا المنافسة وهي السعر.

الجاموس: آن الأوان لإعادة هيكلة القطاع العام الإنتاجي أو بيعه أو إعادة عرضه للاستثمار من القطاع الخاص

معالجة الخلل
وعند سؤال الجاموس كيف يمكن معالجة الخلل، أجاب: إن المعالجة تكون بمعالجة أسباب الخلل، وآن الأوان لإعادة هيكلة القطاع العام الإنتاجي أو بيعه أو إعادة عرضه للاستثمار من القطاع الخاص، لأن القطاع الخاص من الممكن أن يجدد الآلات، ويسعى إلى الحصول على ميزات إنتاج كثيف وبجودة جيدة وبأسعار قد تكون منافسة.
إن استثمار القطاع الخاص مع دعم حكومي بتقديم تسهيلات سواء ائتمانية أم تسهيلات في عمليات التصدير يعد أمراً أساسياً، وفقاً للجاموس، حيث توجد المنتجات بأسعار منافسة، وبالتالي تساعد هذا القطاع في التصدير والحصول على القطع الأجنبي ما ينعكس لاحقاً على الاستقرار بسعر الصرف.

لدينا ميزة تنافسية بوجود السوريين في كل مكان ومن الممكن أن يزيد هذا الأمر من الميزة التنافسية ويساهم في عمليات التسويق لمنتجنا المحلي

دعم المنتجات التي نتميز بها
واقترح الجاموس بأنه إذا لم يتم بيع القطاع العام الإنتاجي أو استثماره فمن الأفضل أن نركز على دعم المنتجات التي نتميز بها مع القائمين على هذا الإنتاج، حيث توجد الشركة الخماسية للغزل والنسيج وشركة الشرق للملبوسات القطنية، وإذا كانت فكرة البيع أو الاستثمار صعبة حالياً، يتساءل الجاموس، فلماذا لا يتم التركيز على هذه الشركات المنتجة سواء للملبوسات أم الحلويات والمأكولات أو بعض أنواع المنظفات التمييزية مثل صابون الغار ويتم التشجيع على الإنتاج فيه وبكميات كبيرة وتقليل التكاليف ويتم البيع بأسعار منافسة.
ويرى الجاموس أنه لدينا ميزة تنافسية أخرى وهي وجود السوريين في كل مكان وهم يلجؤون إلى عملية المساهمة في إظهار المنتج السوري، ومن الممكن أن يزيد هذا الأمر من الميزة التنافسية، ويساهم في عمليات التسويق لمنتجنا المحلي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار