المنطقة تغلي على وضعية «لا يقين» كارثية بمفاعيل مدمرة لا تقرب الحرب الموسعة ولا تبعدها.. العدوان الإسرائيلي يختتم شهراً سادساً بعواقب «مدى الحياة» على غزة

تشرين – مها سلطان:

هل المنطقة باتت محكومة بالرد الإيراني؟ بمعنى هل وصل مسار الاعتداءات الإرهابية الإسرائيلية المتصاعدة في الجغرافيا والمدى الزمني «على مستوى الإقليم» إلى النقطة التي تدفع المُعتدى عليه إلى رد من النوع الذي يشعل فتيل حرب أوسع في المنطقة وتحمّل مسؤولية أن يكون البادئ بها، وما ستجره من عواقب غير محمودة ونتائج غير مضمونة؟
أيضاً.. لماذا يجب على المُعتدى عليه تجنب الرد، وبنفس مستوى ونوع ما وقع عليه من اعتداء، فقط حتى لا يُقال إنه كان سبباً في حرب إقليمية وعلى قاعدة تجاهل كل ما يقوم به الكيان الإسرائيلي «وأميركا» في عموم المنطقة – وليس في فلسطين المحتلة فقط – من إرهاب هو في حد ذاته حرب إقليمية إرهابية مع فارق أنها تشن من طرف واحد ضد دول المنطقة من دون أن يحق لهذه الدول، المقاومة والدفاع عن نفسها والرد بالمثل، وعندما تفعل ذلك أو ترد على الاعتداء يتم اتهامها بالسعي إلى إشعال حرب إقليمية؟

المنطقة ليست محكومة بالرد الإيراني والحرب الموسعة لا تتوقف عليه.. هناك شبه اتفاق على أن هذه الحرب قادمة لكنها ليست وشيكة فما زال «الصبر الاستراتيجي» يحتمل بعض الوقت

هذا يقود بدوره إلى سؤال: هل إن إيران أو غيرها من دول المنطقة المُعتدى عليها يُفترض أن تبقى محكومة بالـ«لا رد» وتلقي الضربات فقط ؟
أيضاً.. هل إن الهدف من وراء تصعيد وتثقيل الضربات الإرهابية، وآخرها الاعتداء الإسرائيلي الإرهابي على القنصلية الإيرانية بدمشق يوم الإثنين الماضي، هل الهدف هو جرّ رد فعل من النوع الذي يشعل فتيل حرب إقليمية باعتبارها باتت حاجة إسرائيلية – أميركية تتمترس خلفها «إسرائيل» وأميركا لإعادة ترميم وتدعيم قواعد النفوذ التي تخلخلت، بل هي تترنح حتى تكاد تقع لمصلحة ألد الخصوم والأعداء؟
وتالياً، ماذا لو أن الحرب الأوسع، أي الإقليمية، باتت هي الحل، وبالنسبة لجميع الأطراف، حيث لم يعد من المقبول أو من المجدي استمرار الوضع على ما هو عليه، ضربات وضربات مضادة، فعل وردّ فعل، ضمن مسار منضبط على قواعد اشتباك محددة ملزمة وإن من غير اتفاق مكتوب أو معلن؟

بعض الوقت المتبقي
رغم كل الأسئلة التي تطرح في سياق حالة الجدل والمخاوف المسيطرة ما بعد الاعتداء الإرهابي الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق، وطبيعة الرد الإيراني زماناً ومكاناً، إلا أن هناك شبه اتفاق على أنه – وحتى من دون رد إيراني – فإن الحرب الموسعة قادمة على مبدأ المراكمة في الفعل الإرهابي الإسرائيلي «والغطاء الأميركي له» وفي الفعل الأميركي أيضاً.. لكنها بالمقابل ليست حرباً وشيكة، فما زال مسار «الصبر الاستراتيجي» يحتمل بعض الوقت.

ماذا عن الرد بالنيابة من دون الانجرار إلى فخ «الحرب الإقليمية»..؟ ولماذا وجدت واشنطن نفسها مجبرة على العودة إلى اليمن والاعتراف بصعوبة المواجهة في البحر الأحمر؟

وخلال «بعض الوقت» هذا، هناك الكثير من الاعتبارات والظروف و«الدبلوماسيات» التي ستحكم وتتحكم بموعد الحرب الموسعة، اقتراباً أو ابتعاداً، يُضاف إلى ذلك أن هناك «ميزة» إذا جاز لنا التعبير لمحور المقاومة، أو لنقل الجبهات المساندة لغزة، ومنها إيران، وهي أنها في مسألة الرد تشكل جبهة واحدة، وأياً منها يستطيع الرد بالنيابة، من دون الانجرار إلى الفخ الإسرائيلي بخصوص الاضطرار لرد يشعل حرباً موسعة، والرد بالنيابة بإمكانه أن يكون شديداً وموجعاً، ولنا في الجبهة اليمنية/البحر الأحمر المثال الأهم.
بمعنى أنه سيكون هناك رد لا محالة، لكنه سيكون رداً محسوباً ومدروساً، شديداً وموجعاً، توفره «ميزة» ثانية تتمثل في حالة الانكشاف الأميركي في المنطقة من جهة، ووجود «جبهة مساندة» تتحرك بحريّة وبلا اعتبارات سياسية أو إقليمية في جغرافيا حساسة جداً وخطرة جداً بالمستوى الأميركي/ الإسرائيلي «والعالمي»، ونقصد هنا جبهة اليمن/البحر الأحمر والمحاولات الأميركية الجديدة لتحييدها.. من جهة ثانية.

عودة إجبارية إلى اليمن
وعليه، فلنتابع الجولة الحالية للمبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، في المنطقة، وما يحمله من «عروض» لليمنيين «أنصار الله» يُقال إنها بسقف مرتفع هذه المرة في محاولة أخيرة من واشنطن لوقف هجماتهم على السفن الإسرائيلية والأميركية في البحر الأحمر».
هذه الجولة سبقها اعتراف أميركي جديد بـ«صعوبة المواجهة» وأن عمليات البحر الأحمر وخليج عدن هي أحد تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، حسب تصريحات ليندركينع الذي أمل بقبول الجانب اليمني، هذه المرة، بما سيقدمه من عروض وبما يدفع نحو توقيع اتفاق سلام في اليمن.
وكانت وسائل إعلام غربية قد نقلت عن مسؤول أميركي قوله إن الولايات المتحدة تتحضر لسحب جزء من العتاد العسكري لتفادي تعرضه للقصف من اليمنيين في البحر الأحمر، قائلاً: إن وجود عدد أقل من السفن العسكرية يمثل أهدافاً أقل للهجمات.
ليندركينع سيلحقه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، في جولة متشابهة تقريباً في المحطات وفي الهدف، لكنها ستكون أوسع، حيث تأتي جولة سوليفان بعد اجتماعين «الأول تم الإثنين الماضي والثاني مقرر بعد أسبوع» بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين يبحثون فيهما بشكل أساسي مسألة الهجوم الإسرائيلي على رفح، هذا حسب المُعلن طبعاً، أما غير المعلن فهو أكبر وأخطر، ولنذكر هنا أن الاعتداء الإرهابي الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق جاء بتوقيت الاجتماع الأول، وإذا ما أخذنا بالاعتبار هذا التوقيت فإن الاجتماع الثاني لن يقلّ خطورة عن الأول باعتبار أن فترة الأسبوع بينهما ستكون كافية لإجراء تقييمات وحسابات واتخاذ قرارات للمرحلة التالية.. وكله ضمن سياق تصعيدي تصاعدي وبما يجعل كل الاحتمالات مفتوحة وكل السيناريوهات واردة.

رفح ما بين اجتماعين
أما المُعلن فيما يخص الاجتماع الأول، فقد نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومنها القناة 12، وحسب هذه القناة فإن الولايات المتحدة رفضت خطة الإخلاء الإسرائيلية الخاصة برفح تمهيداً لاجتياحها.
ونقلت القناة الإسرائيلية عن مسؤولين أميركيين شاركوا في الاجتماع الذي استمر ساعتين ونصف الساعة، عبر الفيديو، ومنهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.. نقلت عنهم قولهم إن الاجتماع بحث المقترحات الأميركية البديلة للهجوم على رفح.
وتابعت: في نهاية الاجتماع صدر بيان مقتضب مشترك باسم البيت الأبيض، تضمّن أن «إسرائيل» ستأخذ في الاعتبار المخاوف الأميركية بشأن الهجوم على رفح، لكن في الاجتماع نفسه قيلت أمور صعبة من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية.

اجتماع أميركي – إسرائيلي ثان بعد أسبوع فهل نشهد حدثاً مماثلاً أو أكبر من الاعتداء الإرهابي على القنصلية الإيرانية بدمشق؟.. الجواب ما زال غير متاح

كما نقلت عن سوليفان قوله في وصف خطة الهجوم بأنها «غير مثيرة للإعجاب وغير قابلة للتطبيق»، مضيفاً: «إذا لم تكن هناك خطة منظمة لليوم التالي للحرب فلن يساعدكم أي شيء في تحقيق أهدافكم، لا رفح ولا شيء آخر».
يأتي ذلك فيما يستعد يائير لابيد زعيم ما يسمى المعارضة الإسرائيلية لزيارة واشنطن الأسبوع المقبل لبحث ملفي رفح والرهائن، حيث يعقد لقاءات من مسؤولين في الإدارة ومجلس الشيوخ.
زيارة لابيد إلى واشنطن كانت قد سبقتها زيارة لوزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت الذي قال عقب انتهاء زيارته: إن الضغط العسكري كان وسيبقى العامل الرئيس والأهم في عودة الرهائن.
وأضاف غالانت الذي كان يتحدث عقب الاعتداء على القنصلية الإيرانية بدمشق: نحن في حرب متعددة الجبهات ونعمل في كل مكان. وتابع: نحن في مرحلة متقدمة من الحرب تجعلنا أقوى في المفاوضات وتسمح لنا باتخاذ قرارات صعبة.

عواقب مدى الحياة
يشار إلى أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة اختتمت اليوم شهراً سادساً، بحصيلة ضحايا من الفلسطينيين تجاوزت الـ33 ألف شهيد، إضافة إلى عشرات آلاف الجرحى ومئات المشردين والنازحين.. كل ذلك في حصيلة تتصاعد يومياً من دون أن يكون هناك أفق لنهاية هذه الحرب.
وكان تقرير مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة صدر بالتزامن متضمناً أرقاماً صادمة حيال الوضع في قطاع غزة إنسانياً واقتصادياً.
التقرير المشترك أكد أن نصف سكان غزة على شفا المجاعة، فيما يعاني جميع السكان من سوء التغذية نتيجة النقص الحاد في الغذاء، وأضاف: أكثر من مليون فلسطيني أصبحوا بلا مأوى، و75 بالمئة من السكان باتوا نازحين داخلياً.
وشدد التقرير على العواقب الجسدية والنفسية الكارثية التي كانت أشد وطأة على النساء وكبار السن والأطفال.
وتوقع واضعو التقرير أن توجه غزة «عواقب مدى الحياة» على تنميتها المستقبلية، مشيراً إلى أن الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية بلغت 18.5 مليار دولار.
وقال التقرير: إن المباني السكنية تشكل 72% من الأضرار، بينما تُشكّل البنية التحتية للخدمات العامة، مثل المياه والصحة والتعليم 19% من تلك الأضرار، والمباني التجارية والصناعية 9%.
وأشار التقرير إلى أنه مع تضرر أو تدمير 84% من المستشفيات والمنشآت الصحية ونقص الكهرباء والمياه لتشغيل المتبقي منها، لا يحصل السكان إلا على الحد الأدنى من الرعاية الصحية أو الأدوية أو العلاجات المنقذة للحياة.
وأضاف: إن نظام المياه والصرف الصحي تعرّض للانهيار تقريباً، وأصبح لا يوفر سوى أقل من 5% من خدماته السابقة، ما أجبر الأهالي على الاعتماد على حصص مياه قليلة للغاية للبقاء على قيد الحياة.
ووفق التقرير، فقد انهار النظام التعليمي تماماً «حيث أصبح 100% من الأطفال خارج المدارس»، كما أكد التقرير أن إيصال المساعدات الإنسانية الأساسية أصبح أمراً صعباً للغاية بفعل تدمير أو تعطيل 92% من الطرق الرئيسة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار