الأدب العربي يحتفي برمضان وفضائله
تشرين- بديع صنيج:
يذخر الأدب العربي شعراً ونثراً بالكثير من الاحتفاء بشهر رمضان، باعتباره شهراً للهداية والكرم والجود وحسن الخلق، وجاء بعض ذاك الأدب بمثابة موعظة أخلاقية عن فضائل الشهر ومحاسنه على الصائمين.
فنرى أمير الشعراء أحمد شوقي يصور معاني الصوم تصويراً جميلاً، إذ يقول في كتابه “أسواق الذهب”: الصوم حرمانٌ مشروعٌ وتأديبٌ بالجوع وخشوعٌ لله وخضوع، لكل فريضةٍ حكمة، وهذا الحكم ظاهِرُهُ العذابُ وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، يكسر الكبر ويعلّم الصّبر ويسن خلاله البر، حتى إذا جاع من ألفَ الشبع وحرم المترف أسباب المنع، عرف الحرمان كيف يقع وكيف ألمه إذا لذع”.
كما توجه شوقي بنصائحه للصائمين، فيقول: “يا مديم الصوم في الشهر الكريم.. صم عن الغيبة يوماً والنميم”.
ومثله فعل سابقه أبو بكر بن عطية الأندلسي، إذ صاغ قصيدةً وعظية عن كيفية قبول الصوم في هذا الشهر الفضيل إذ قال:
لا تجعلنَّ رمضان شهر فكاهةٍ.. تلهيك فيه من القبيح فنونه
واعلم بأنك لا تنال قبوله.. حتى تكون تصومه وتصونه…
وأضاف في قصيدة أخرى عن جماليات الصيام وضرورة تهذيب النفس فيه: جاء الصيام فجاء الخير أجمعه.. ترتيلُ وتحميدٌ وتسبيح…
فالنفس تدأبُ في قولٍ وفي عملٍ.. صومُ النهارِ وفي الليل التراويحُ…
وفي النثر رسم عميد الأدب العربي طه حسين صورة أدبية للحظات الإفطار، إذ يقول: “فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الأذن لاستماع الآذان وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام، فترى أشداقاً تنقلب وأحداقاً تتقلب بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة، تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما مُلئت من فاكهة وأترعت من شراب، الآن يشق السمع دوي المدفع، فتنظر إلى الظماء وقد وردوا الماء، وإلى الجياع طافوا بالقصاع، تجد أفواهاً تلتقم وحلوقاً تلتهم وألواناً تبيد وبطوناً تستزيد، ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع والأيدي تذهب وتعود وتدعو الأجواف قدني.. قدني، وتصيح البطون قطني.. قطني”.
أما الكاتب الكبير نجيب محفوظ، الذي عاش طفولتة بحي الحسين وسط الاحتفالات السنوية بشهر رمضان، فقد وصف طقوسه وعاداته في أكثر من عمل روائي له، إذ قال عن استعدادات شهر رمضان: “اقترب رمضان فلم يعد يفصل بين هلاله والطلوع سوى أيام قليلة، ولكن رمضان لا يأتي على غرة أبداً، وتسبقه عادة أبهة تليق بمكانته المقدسة. إنه شهر له حقوق وعليه واجبات”.
وكتب في روايته خان الخليلي: “ولم تغفل أم أحمد عن ذلك وكانت في الواقع المسؤولة الأولى عن جلال الشهر وجماله، وانشغلت في الأيام الباقية على رمضان، بتهيئة المطبخ وتبييض الأواني وتخزين ما تيسر من السكر والبصل والتوابل، وكان لمقدم رمضان في نفسها فرحة وسرور، فرمضان هو شهر المطبخ، كما أنه شهر الصيام، وأجمل من هذا أنه شهر الليالي الساحرة والزيارات الممتعة”.
وفي تاريخ الأدب الحديث تغنّى الكثير من الشعراء بفرحة شهر رمضان، ومنهم الأديب مصطفى صادق الرافعي الذي كتب عن إحساسه بقدوم شهر رمضان واحدة من أجمل قصائده التي يقول فيها:
فديتك زائراً في كل عام.. تحيا بالسلامة والسلام
وتقبل كالغمام يفيض حيناً.. ويبقى بعده أثر الغمام
وكم في الناس من كلف مشوق.. إليكَ وكم شجيٍّ مستهام.
أما محمود حسن إسماعيل فيرحب بشهر الصيام على طريقته:
أضيفٌ أنتَ حلَّ على الأنام.. وأقسم أن يحيا بالصيام
قطعت الدهر جواباً وفياً.. يعود مزاره في كل عام
تخيم لا يحد حماك ركن.. فكل الأرض مهد للخيام
نسخت شعائر الضيفان لما.. قنعت من الضيافة بالمقام
ورحت تسد للأجواد شرعا.. من الإحسان علوي النظام
بأن الجود حرمان وزهد.. أعز من الشراب أو الطعام.