رفعت بدران يتفرّد بربة الشعر ويحطّ بغيمه على الشرفات
تشرين- راوية زاهر:
(غيمٌ على الشرفات) للشاعر رفعت بدران والصادرة عن وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، في رابعة شعرية للشاعر رفعت بدران؛ ضمت تسعةً وخمسين نصاً شعريّاً متنوعة اللون والسّبك ما بين تغريبة وطن ذبيح ضاع جلّ أبنائه على عتبات الانتظار وسكك القطارات وفوق قوارب الموت حيارى بلا وجهة ولا علم ولا عنوان.. وبين مراثٍ خارج الحدود وقصائد غزل ووداع وحنين، ونظرة تأملية لا تخلو من الحكمة لما آلت إليه آلة الحرب على سورية، ولتضيع معها مفاتيح الحياة والجنة وربما جهنم.
عن العنوان
العنوان (غيمٌ على الشرفات).. أيّ حالةٍ من التماهي مع الطبيعة يحمل هذا العنوان؟، وأيّ انسجام يحمله ليجعل الغي يقيم مقَيلاً على الشرفات السارحة؟.. تحليقٌ مجنّح في عوالم من البياض والمجاز والجمال يرسم خطاه من عتبة العنوان، لمؤلف عنوانه مستوحى من خارج السرب.
المجموعة الشعرية متنوعة وغزيرة، علت فيها أصوات الوميض الشعري والموزون، والحر وتميّز الكتاب بالإيجاز والإبحار في النصوص الوجيزية والوميضية التي تنتهي بإدهاش عالٍ..
بداية:
سأكتبُ منذ البداية
حتى النهاية..
سأكتبُ
فيك القصائد آية
فآية ”
عن أبي عادل
وما لمكانة الشاعر العراقي مظفّر النواب من مكانة رفيعة في نفوس الأحرار شعراً ووجوداً؛ فقد حظي بمرثية حزينة عند الشاعر بدران، وقد ضمّن في أبياته الموزونة الكثير من الأسماء والأماكن وعناوين أشعار للنواب منادياً إياه مُكنّى بابنه عادل:
“-أبا عادلٍ أيجوز الرّثاء؟
بحضرة روحك وهي تُضاء،
-تُرى أتحاولُ مُلكاً جديداً؟ بموتك
هل خاب فينا الرّجاء
-أترغب عن هذه الأرض؟ قل لي
لمن ينتمي؟ بعدك َ الأشقياءُ.
كما يتحدث الشاعر عن حالة البُوار التي تصيب الشعراء، فتقف القوافي كخيلٍ حرون على أبواب القصيدِ .. ولكنه هنا خصها بتشبيهٍ رقيق، وهو عذراء النبع وهذا ما قاله في نص “معاندة” :
“القصيدةُ معاندة هذه الليلة،
كعذراء النبع..
تملأ جرّتها وتبتسم..
وتعودُ..
إلى الدار”
عن اللغة
مالت اللغة عند الشاعر إلى الشعرية والمجاز الشعري، وتنوعت الأساليب اللغوية والتعبيرية والدلالية لتبحر في الصور وعالم التشبيه والاستعارات والانزياحات اللغوية والكناية… ولابدّ من الوقوف على بعضها من مثل: (تبصقنا قطارات، تركلنا مطارات، نبض الرسائل، تحدثني أشجارها المظلمة، يقرأ قلبي ..) استعارات مكنية وظّف فيها الشاعر التشخيص والخيال للوصول إلى مراميه.. ومن صور التشبيه: (زهر المعاني، غابة الليل، عذراء النبع..)، وكلها من نوع البليغ الإضافي.. هدفه منها نقل المشاعر والأحاسيس المرتبطة بالطبيعة.. وفي كل الأحوال استخدم المعجم اللغوي الدال على الحزن واليأس تارة، وعلى الأمل والرغبة بالفرج تارة أخرى.. كذلك استخدم أسلوبي الخبر والإنشاء، بصور متعددة بغية التعبير عن المشاعر العاطفية والخلجات الشعورية التي تنتاب الشاعر بين الحين والآخر.. (في الصباح الباكر دفعت بكتابي إلى الناشر الذي كان ينتظرني).. خبر ابتدائي.. تأتي أهميته في تقرير الفكرة وترسيمها وتوكيدها في الأذهان.. وكذلك (رعايا نحن أم جثث؟، دماء نحن أم طمث؟) إنشاء نوعه استفهام.. وكذلك (أبا عادل، أبا الحزن ، إنشاء نوعه نداء، أين هو العشق؟ أين حدائق بابل؟ أين الندى؟).. إنشاء نوعه استفهام.. وكذلك حضر الطباق ليوضح المعنى ويعمل العقل في المتناقضات من خلال إبراز التناقض..
(البداية والنهاية،
سار المسيحُ على الماء
نحن نغرق في اليابسة..
(الماء واليابسة) طباق إيجاب.. وكذلك حضر التناص، فكان بعضه مستمداً من القرآن الكريم من قبيل :(فكل بيت فيه مثقالٌ وذرات).. وكذلك (فصل المقال، روح غرامشي وماركس، ثمّ اسبينوزا….).. أسماء تعيدنا إلى الماضي للوصول بالحاضر إلى كنه الحقائق وسبيل إلى العيش بسلام.. وتضمين الكثير من المعاني بين أشعاره.. ليبقى الأمل في نهاية المطاف رغم طعنة القاتل وأنين القتيل..
(أمل):
“يقولُ القتيلُ لقاتله..
لك ما شئتَ
إن أنتَ..
قررتَ..
قتلي
فسدّد مسدسك الآن…
حين أشيحُ بوجهي عنكَ.
إلى الرأسِ.. لا القلبِ..
فالقلبُ..
خبّأتُ فيه الوطن.”..