شاعرات في زمن الحب والحرب
تشرين- وصال سلوم:
لوثت الحرب مجريات الحياة اليومية، وأفرزت العديد من السلبيات الإنسانية التي يكون لها تأثير وجداني مباشر؛ في المرأة بشكل عام، والأديبة والشاعرة بشكل خاص..
ومادمنا أننا في أعياد الربيع نخص بالاضاءة على نجاحات سيدات أديبات تفوقن على مخرجات الحرب وحققن الإنجازات.
آسية بديع يوسف
مديرة ملتقى عشتار الثقافي في اللاذقية آسية بديع يوسف؛ ماجستير في الدراسات النقدية من جامعة دمشق، ودكتوراه في النقد الأدبي الحديث من جامعة بغداد، (نالت درجة امتياز عن بحثها الموسوم بالرمز ودلالته في القصيدة العربية المعاصرة، خليل حاوي أنموذجاً..) تحدثت لـ(تشرين) عن تجربتها: المرأة محور الحياة سواء أكانت أديبة شاعرة أم حتى ربة منزل تربي الأجيال، ربما يكون الفارق واضحاً كون المرأة المثقفة لها حضور أكثر مساحة على الساحة الثقافية.. حضور الأجدى فيه والأجمل أن تكون إلى جانب إنجازاتها الأدبية القدوة والمثل الذي يحتذى به خاصة على النشء المحيط بها كأسرة ومعارف وطلاب.
وخاصة إن لاقت الدعم الكافي لتكون حاضرة على المسرح المجتمعي، فيجب عليها أن ترد الإيجابية أضعافاً مضاعفة، ومن خلال تجربتي الشخصية مع الأدب والشعر أقول بحق: جانب كل امرأة ناجحة رجل نبيل. ليثمر نجاحي دواوين عديدة وجوائز أفتخر بها، وإدارة ملتقى ثقافي بحجم (ملتقى عشتار) جعلني أتأكد من قدرة المرأة السورية على المشاركة العملية في بناء المجتمع والوجدانية التي تستطيع من خلال أدبها وشعرها بث الروح الإيجابية والعزيمة والإصرار.
وفي ملتقانا؛ ما بين النص الأدبي لضيوفنا الأدباء وما بين الحوار ما بعد الورشة الشعرية.. اللافت نوعية الحضور..
(خلّدتُ حبّك في قلبي و في كبدي
يا واهبَ الروح كي تحيا بها بلدي
جيشٌ بنى في شغاف القلب مسكنَه
أغلى من الروح و الأموال و الولدِ)
فالمفردات في القصائد الوطنية زمن الحرب تزداد قوةً و جزالةً و حدةً عما كانت من رومانسية ما قبل الحرب.
وقد حاولت قدر ما استطاع قلمي خط محبتي لوطني شعراً :
(مرحى دمشقُ ففي ربوعكِ ضيغمٌ
يحدو الأشاوس بكرةً و أصيلاً
أيهٍ ربا الزيتون جندك حوّمٌ
عقبانُ ملحمةٍ ترومُ ذليلا)
ومن خلال الملتقى والتماس المباشر مع الإنتاجات الأدبية النسوية تأكدت من قدرة المرأة السورية على المشاركة العملية في بناء المجتمع التي تستطيع من خلال أدبها وشعرها بث الروح الإيجابية والعزيمة والإصرار.
المهندسة غادة الأسد
أما أمين سر ملتقى عشتار الأدبي.. الأم لطبيب ومهندسة، والجدة لحفيد صغير، والهاوية في مجال الشعر المهندسة غادة الأسد فقالت تجربتها: تكمن آثار الحرب الإرهابية اليوم على كل مفاصل الحياة اليومية، والأقدر على التعبير عن آلامها وآثامها هم الأدباء والشعراء والفنانون والرسامون، أي بمعنى آخر؛ من يتعاطون مع الوجدان الإنساني بشكل أو بآخر.. فهم يملكون أدوات التعبير اللازمة والطيعة.. وأنا تأثرت كغيري بذلك وانعكس ذلك فيما أكتب للوطن وللثكالى ولضحايا الحرب والإرهاب.
فالحرب بالتأكيد أثرت في مفردات الحياة من حب وتجارب حياتية وعلاقات مجتمعية.. والمرأة بشكل عام في المجتمعات الشرقية تعاني الكثير في سبيل إثبات جدارتها وتفوقها.. وإذا حدث وأخذت مكانها بعد تعب ونضال فغالباً ما نجد أنها تحارب من النساء أنفسهن وهذا أمر يدعو للإحباط.
الحركة الثقافية للأسف ليست في أحسن حالاتها، وغالباً هناك حضور خجول لقلة من المهتمين،
ولعل وسائل التواصل الاجتماعي كان لها دور كبير في ذلك..
في ملتقياتنا الثقافية والأدبية تأثر بالتأكيد بالحراك الثقافي العام الخجول، ومع ذلك فلقاءات عشتار نسعى من خلالها إلى الحضور النوعي لشخصيات تهتم بالشأن الثقافي أدباً وشعراً.
من جهتي حققت خلال مسيرتي المهنية الكثير من الإنجازات وعلى صعيد الكتابة والشعر أعتبر نفسي هاوية، ومازال الطريق طويلاً وشاقا لكنه ممتع بكل تفاصيله، وأنا فخورة بذلك بفضل إيماني بقدرة المرأة على صياغة الطموح بشكل عملي وفعلي..
طهران صارم
عن الحراك الأدبي والتجربة الشعرية ما بين السلم والحرب وانعكاساتها على مفرداتها تحدثت الشاعرة طهران صارم لـ(تشرين): بداية أي عمل إبداعي يجب أن تتوفر فيه الموهبة ومن ثم البيئة الحاضنة، وربما كان من حسن حظي أنني حظيت بالاثنتين؛ فأنا نشأت في أسرة محبة للقراءة، وكان هناك مكتبة متواضعة في بيتنا نهلت منها وأنا في سن صغيرة، ومع بداية دخولي الجامعة في التسعينيات زادت رغبتي في الكتابة، وكانت لدي فرصة لأطور من أدواتي، وبدأت بكتابة القصة، ومن ثم انتقلت لكتابة النثر وراسلت الصحف المحلية، وأذكر أن أول نص نثري نشر لي في صحيفة البعث سنة ١٩٩١، وكان هذا حافزاً لي لخوض هذه التجربة ومع الوقت انتقلت للكتابة في صحف عربية أيضاً، حتى أنني في مرحلة ما طرقت باب الكتابة النقدية ولكني لم أستمر بها، وأصبح الشعر نافذتي الروحية الوحيدة والتي أسعد بها.
في التسعينيات وما بعدها كان موضوع نشر الكتاب مكلفاً وصعباً، وتالياً لم يخطر لي أن أجمع نصوصي المتناثرة في الصحف ضمن كتاب حتى عام ٢٠١٢، وهي فترة طويلة أقنعني بها رفيق دربي؛ وهو صحفي وله محاولات في كتابة الشعر الموزون، بضرورة جمع ما نشرته سابقاً في مجموعة شعرية، وكانت مجموعتي الأولى( لحن الغريب)، وهي نصوص مختارة مما سبق ونشر في الصحف.
تطورت التجربة لاحقاً وولدت مجموعتي الثانية (بيدر فواصل) عام ٢٠١٣، ومن ثم عام ٢٠١٥ مجموعتي الثالثة (على مرمى رصاصة)، وتميزت المجموعتان الأخيرتان بنصوص وثقت فيها حالات إنسانية وشعورية ولدتها فينا الحرب على وطننا، واستعملت فيها مفردات جديدة نابعة مما نعيشه مثل؛ (القناص..القذيفة..الحاجز ..الخ).
عام ٢٠٢١ صدرت مجموعتي الرابعة (من ثرثرات الحنين)؛ وهي نصوص وجدانية متنوعة فيها الحب، وفيها النزعة الإنسانية، وفيها الصورة الشعرية واللعب على اللغة.
بالتأكيد الأسرة كانت الداعم الأول لي منذ البدايات، ووجود شريك حياة متفهم (ومن الجو نفسه) سهّل لي الطريق للكتابة.. وربما كان من حظي الجيد أيضاً أن عملي جاء ليعزز أدواتي الإبداعية؛ فأنا سنة ١٩٩٨ عملت أمينة للمطبوعات الأجنبية في دار الكتب الظاهرية وهذا العمل أتاح لي الاطلاع على أمّات الكتب العربية والأجنبية وأفادني كثيراً، وبعد خمس سنوات انتقلت للعمل في مجمع اللغة العربية بدمشق؛ وكانت البداية كأمينة للمكتبة الأجنبية فيه بحكم دراستي الأدب الإنكليزي، وبعدها تسلمت المكتب الإعلامي فيه، ومن دون شك الاحتكاك مع أعضاء المجمع وهم شخصيات علمية ولغوية بارزة يعد مكسباً لأي إنسان، ويخلق دافعاً قوياً للتعلم والاستزادة من الثقافة واللغة.
أما حضور المرأة في الساحة الثقافية، فأنا أجد أن المرأة السورية من أكثر النساء العربيات إبداعاً وثقافة وفي تاريخنا الكثير من النساء السوريات الرائدات؛ كغادة السمان وسهام ترجمان وهند هارون وكوليت خوري وناديا خوست وأنيسه عبود وغادة اليوسف، وربما لا يتسع المجال لذكر كل الأسماء، وأنت تلاحظين أن أي نشاط ثقافي في القطر لا يخلو من مشاركة نسائية، وهناك الكثير من المساعدة التي تقدم من الرجال المثقفين والواعين للأخذ بيد المرأة، بشرط أن تكون صاحبة موهبة حقيقية.