في غياب المخرجين الكبار.. من يخلص الدراما السورية من النمطية
تشرين- سامر الشغري:
عندما جاءنا فواز الساجر من أصقاع بلاد الروس، ونشر في أوساطنا المسرحية نظرية ستانسلافسكي في التمثيل، فإنه لقّن طلابه ومريديه أحد أهم مبادئها، ألا وهو تاريخ الشخصية، أي إنها لم تخلق من عدم ولم تأتِ من فراغ، ولم تنشأ كنبتة في الصحراء من دون ماض ولا خلفيات ولا مسببات.
هذا المبدأ هو الذي يجعل الشخصية فريدة على صعيد الشكل والمضمون، ومتباينة عمن سواها، فهو لأجل ذلك يربي شاربه أو لحيته، أو تربط شعرها بتلك الطريقة، أو يتحدث بتعلثم أو بلكنة معينة، أو تكثر من حركة اليدين وهي تتحدث.
لقد وعى مخرج سوري، هو الراحل حاتم علي خطورة هذا المبدأ، وضرورة الأخذ به في كل عمل، وإلا فإن الممثلين سيكررون الشخصية ذاتها في كل دور، ومن خلال ذلك فإنه أسند أدواراً متباينة في كل مرة للممثل ذاته؛ كخالد تاجا ورفيق سبيعي وغسان مسعود وزهير عبد الكريم وحسن عويتي وآخرين.
ومن مثال هذا الكسر الواضح لنمطية الممثلين عند حاتم؛ أن فنانين مثل باسل خياط ونسرين طافش، قدما تحت إدارته الدورين الأكثر اختلافاً في مسيرتهما الفنية، وأعني (حسن وجميلة) في التغريبة الفلسطينية، إذ كانت المرة الأولى والأخيرة التي نرى فيها (باسل) بعيداً عن شخصية الرجل الصلف المتحدي، ونسرين من دون أن تكون الفتاة الدلوعة.
والآن فإننا من خلال ما نراه من أعمال خلال هذا الموسم الرمضاني، نجد النمطية هي القاسم الأكبر فيما يعرض من مسلسلات، وهذا اكتشفه المشاهِد في أداء نجوم الصف الأول وأبطال المسلسلات، مع تيم حسن وباسم ياخور ويامن حجلي.
إن المسؤولية الأولى في كسر نمطية الممثل تقع على عاتق المخرج، فهو العدسة الأولى التي تلتقط الأداء وتقيمه، أو هكذا يفترض، لقد وعينا أن مخرجة قديرة هي رشا شربتجي لها باع في هذا الموضوع، ولا ننسى الشخصيات التي قدمها الفنانون معها في مسلسل (شوق)، إذ كانت مختلفة في معظمها عما تعودناه منهم، ولكنها في (ولاد بديعة) سمحت لكاتب المسلسل الفنان يامن حجلي أن يعود بالشخصية ذاتها التي قدمها في (أيام الدراسة) قبل خمسة عشر عاماً، رغم إنه لعب دوراً مختلفاً في مسلسل (مع وقف التنفيذ) قبل عامين.
ولكن في الوقت نفسه يجب ألا نلقي اللوم على المخرج أو الممثل دون سواهما، فالكاتب قد يلعب دوراً في تنميط ممثل معين بشخصية ما، وشركات الإنتاج التي تريد أن تكرس نموذجاً واحداً للممثل في هذه الأعمال، وهذا حصل مع تيم حسن في (تاج)، والذي ظل أسير شخصية (جبل)، رغم محاولاته المجتهدة في تجسيد شخصية الملاكم الدمشقي الثائر؛ في لكنته ومشيته وحركة يديه.
يجب أن يؤمن الممثلون بحقيقة أن كسر النمطية وحدها من تؤمن لهم الخلود، وسوف يصبحون في كل مرة أيقونة لدى المشاهد لا تنسى أبداً، فالفنان القدير سلوم حداد ظل منذ انطلاقته الفنية أواسط الثمانينيات أسير شخصية الشرير، بل ويقدمها بالطريقة ذاتها، من خلال وضع يديه في جيوبه وتحريكه المستمر لهما وعصبيته الظاهرة، لكنه بدءاً من (زمن البرغوت) وصولاً لـ” الندم، ووردة شامية” صار يطلع علينا بشخصيات فريدة ومبتكرة، لا على صعيده هو بل على مستوى الدراما السورية كلها.
إن تغييرات بسيطة يلجأ إليها الممثل قد تجعله يبتعد عن التكرار والنمطية، فالفنان القدير بسام كوسا الذي اعتدنا على أدائه شخصية الشرير في أعمال البيئة الشامية، سعى لتغيير في شكله الخارجي مع (تاج)، فلبس القبعة الأوروبية عدا عن الطربوش، ولم يصبغ شعره بالأسود، وأرخى لحية إيطالية بدلاً من الشوارب، وهو بذلك قد يوحي لنا كمشاهدين أنه يقدم عملاً مختلفاً، فلا يلتبس علينا أن دوره هذا هو في (طاحون الشر، أم سلاسل دهب).
لقد آمن ستانسلافسكي بأنه على الممثل خلق شخصية إبداعية جديدة علي أساس الصفات الفردية، ونقل إلى مسارحنا فواز الساجر هذا الاعتقاد، وطبقه في الدراما وبنجاح كبير حاتم علي، ولكن الآن هناك من لا يعير أهمية لذلك، أو قد يعتبر أنه على الشخصية أن تخضع للممثل لا العكس.