مسارات مُفخخة!

تراوح الولايات المتحدة الأميركية – وأضيفت إليها باريس مؤخراً- في الخيارات بين تخليص العدو الصهيوني مما وصلت إليه الحال في عدوانه المتواصل على غزة، وبين إخراجه بأقل الخسائر الممكنة التي تستدعي الالتفاف على ما حققته المقاومة الفلسطينية في غزة عبر وساطات وتقديم أوراق لإنهاء الحرب تخدم أولاً وقبل كل شيء الاحتلال الإسرائيلي وتنتشله من «براثن» الضغط الداخلي على خلفية ملف الأسرى على وجه الخصوص، وأيضاً يترافق ذلك مع مسار موازٍ يُعمل عليه في لبنان عبر الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين للأسباب ذاتها.
الأكيد أن واشنطن وباريس والكيان الصهيوني ومن يُحالفها، يعمد عن سابق إصرار على تفخيخ إنجازات المقاومة الفلسطينية، إذ إن عدم الجدية في الطروحات المقدمة واضحة ومباشرة، فلا يتم الحديث عن وقف دائم لإطلاق النار، بل عن وقف مؤقتٍ وهُدنٍ مؤقتة من دون أي التزامات واضحة وصريحة، وهنا يكمن الفخ المتمثل في ترتيب الأوضاع الداخلية لدى كيان الاحتلال وسحب ورقة الأسرى من يد المقاومة وهو هدف مُتجدد، ومعها ترتيب الأوضاع الداخلية الأميركية وهي على تخوم موسمها الانتخابي، ومن ثمّ يُصار إلى العودة إلى المربع الأول -إن صح القول- أي مربع العدوان الهمجي واستكمال ما لم ولن يتحقق من حيث تهجير سكان غزة و«القضاء» على المقاومة وأن تصبح غزة في «متناول اليد»، أي عدم تشكيلها تهديداً للاحتلال.
اعتمدت أميركا دائماً على المسارات المُفخخة حتى لا تحصل على نتيجة مُصفرة، وهنا إذ نتحدث عن أميركا فنقصد معها أيضاً كيان الاحتلال، فكلاهما في بوتقة واحدة، والعدوان على غزة هو عدوان إسرائيلي- أميركي معاً، وبالتالي نتائج أي تفاوض من شأنها أن تنعكس حتماً على موقع الولايات المتحدة في المنطقة عموماً وليس الكيان فقط.
ما يجعل اليوم يختلف عمّا مضى هو أن واشنطن، التي تستمر على استراتيجيتها، ربما لم تنتبه بعد إلى التغييرات الحاصلة حتى في طريقة تكوين وتفكير الأطراف المقابلة التي تستجدي أميركا تفاوضها والتفاوض معها، فالمقاومة بجميع أطرافها اختبرت كل السبل والمسارات وما أفضت إليها، وخاصة تلك التي لواشنطن يد فيها، كما خبرت الميدان وما يمكن أن يُفضي إليه، وبالتالي باتت متمرسة وواعية لكل العثرات التي تعترض مسارات التفاوض، وخلصت إلى حقيقة لا حياد عنها إما كل المطالب أو لا شيء، وعلى العدو الإسرائيلي ومعه الأميركي أن يتحملا النتائج.. وصحيح أن المأساة الإنسانية الحاصلة في غزة تحتاج إلى وضع حد، لكن الأكيد أن من صمد وصبر وقاوم لأربعة أشهر كاملة ليس بحاجة إلى تفاوض مُفخخ يُلغي معه كل الصبر والمعاناة، ويُبرئ الجلاد من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي اللذين يمارسهما.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار