اقتصاد آسيا الوسطى وحلف الناتو وكرة النار ؟!

تؤكد الوقائع والدراسات الجيوسياسية والاقتصادية على تزاحم وتنوع أشكال التنافس بين القوى الدولية للتواجد في منطقة آسيا الوسطى بمساحتها /4/ ملايين كم2 وسكانها حوالي /70/ مليون نسمة، والمتاخمة لبحر قزوين بمساحته /370/ ألف كم2 (وهو أكبر مسطح مائي مغلق )، وتضم آسيا الوسطى خمس دول وهي(كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان) ويطلق عليها (الستانات الخمس 5 Stan’s) لأنها تنتهي بكلمة (ستان STAN ).

وبدأ الكثير من مراكز الدراسات الغربية بإحياء الدراسات القديمة حول هذه المنطقة التي تربط بين (آسيا وأوروبا) ويطلق عليها مركز ( أوراسيا )، وخاصة كتاب العالم الجيوسياسي البريطاني “هالفورد جون ما كندر” (سنة 1904) وقال إن هذه المنطقة هي “قلب الأرض”، ومن يسيطر عليها يسيطر على القوة الجيوسياسية ويتحكم في العالم، وأكد المفكر الأمريكي (زبغينو بريجنسكي)  في كتابه (رقعة الشطرنج الكبرى سنة 1997) بأن السيطرة على آسيا الوسطى هي الشرط اللازم لاستمرار الهيمنة الأمريكية، وحالياً أكدت وزارة الطاقة الأميركية، بأن المنطقة تحتوي على  أغلب  الموارد الاقتصادية الضرورية لتفعيل العجلة الاقتصادية من وقود فهي تمتلك ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد دول الخليج، وتنتج يومياً بحدود /4/ ملايين برميل والمعادن والفحم وطرق النقل العالمية والثروات الطبيعية .. إلخ، كما يمكن من خلالها محاصرة روسيا والصين وإيران، حيث يحدها الصين شرقاً، وروسيا شمالاً، وإيران جنوباً وبحر قزوين غرباً،  وكانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق حتى سنة /1991/، ومع عودة روسيا بقوة إلى الساحة العالمية بدأت القوى الغربية تتخوف من زيادة الاندماج بين آسيا الوسطى وروسيا، وتجسد هذا بشكل واضح في اجتماع الرئيس الأمريكي (جو بايدن) في القمة الأولى مع قادة دول آسيا الوسطى بتاريخ 19/9/2023 على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها /78/ في نيويورك، وتم التحذير من  التقارب مع روسيا والصين، والتلويح بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية غربية عليها ومطالبتها بالموافقة على نقل  الأسلحة من بعض الشركات الأمريكية في الدول الآسيوية إلى أوكرانيا والابتعاد عن (النهج الروسي،  في الكثير من المنظمات الدولية مثل (شنغهاي وبريكس والاتحاد الأوراسي ومنظمة الأمن الجماعي ..إلخ).
وهنا نسأل هل بدأت الليبرالية المتوحشة  والأوليجارشية المالية العالمية والتحالف الأنغلو ساكسوني، تسعى لتمددها في قارة آسيا وآسيا الوسطى، ولا سيما بعد صدور تقرير صندوق النقد الدولي سنة /2023/ بأن القارة الآسيوية ستقود النمو العالمي من سنة /2024/،  وهذا يفسر لنا تزايد التهديد بين الهند وباكستان والصين وإيران وغيرها، وترافق مع نقل الأسلحة من الشركات الأمريكية في  الدول الآسيوية إلى أوكرانيا، ولكن تناست قوى الناتو التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية والتوازنات الدولية الجديدة.
بقناعتنا إن استمرار الناتو ببرامجه العدوانية سيزيد من توسع دائرة الصراعات والحروب المحدودة وليس العالمية بسبب توازن الردع النووي بين القوى الكبرى، فهل ستعتمد أمريكا والناتو على إشعال “كرة النار” في آسيا الوسطى كما أشعلتها في (فلسطين وسورية وإفريقيا والخليج) وغيرها ونشر قوات الناتو بما فيها ( تركيا ) عبر المجلس التركي الذي يضم [تركيا وأذربيجان وثلاث “ستانات” وهي كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان] لتفعيل العلاقات بينها لمواجهة الدول الأخرى ضمن الادعاءات التركية بعودة ما يدعى (العالم التركي) الذي يعود إلى عهد (السلطنة العثمانية) البائدة، وكل هذه القوى تسعى للسيطرة على آسيا الوسطى وزيادة التشابكات الاقتصادية معها، وخاصة (كازاخستان) نظراً لأهميتها الاقتصادية بشكل خاص فقد بلغت تجارتها مع أمريكا  /86%/ من إجمالي التجارة الأميركية مع دول آسيا الوسطى الخمس، وتم نقل الشركات الأوربية التي أوقفت اعمالها في روسيا بسبب الحرب ( الروسية الناتوية الأوكرانية ) سنة /2022/ إلى دول آسيا الوسطى وخاصة كازاخستان، كما توجه الاتحاد الأوروبي نحو تعميق العلاقة مع دول آسيا الوسطى لتأمين بديل عن الإمدادات الروسية من النفط والغاز والبالغة /60%/ من احتياجات أوروبا، وأيضاً اليورانيوم فكانت القارة الأوربية تؤمن مثلاً /20%/ من احتياجاتها من اليورانيوم من روسيا و/ 24%/ من النيجر والآن تؤمن /28%/ من كازاخستان، وهذا يفسر التوجه الأوروبي نحو آسيا الوسطى واستثمار أكثر من /120/ مليار دولار بما يعادل /40%/ من الاستثمارات الأجنبية، فهل تتأزم الأوضاع في آسيا الوسطى بسبب التدخلات الناتوية واستغلال الحركات الإرهابية؟ كما حصل في كازاخستان سنة /2022/ التي فشلت بسبب تدخل ( وحدة حفظ النظام ) التابعة لمعاهدة ( الأمن الجماعي) بقيادة روسية والتي تضم ( روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وبيلاروسيا)، وهل سنشهد سنة /2024 / أحداثاً في آسيا

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار