الكيان على وقع «ليلة رعب» جديدة.. وإدارة بايدن أمام انتكاسة استراتيجية أخرى في المنطقة
تشرين – مها سلطان:
24 قتيلاً من جنود الاحتلال في ليلة واحدة بعملية نوعية للمقاومة الفلسطينية.. لا شك بأنه رقم كبير سيُعمّق المأزق الميداني والحكومي للكيان الإسرائيلي، من دون أن ينفعه بيان دعم أميركي جديد.
«كانت ليلة مرعبة» سيبقى الكيان لأيام مقبلة تحت الصدمة ورهيناً دائماً لحقيقة أنه عاجز عن تحقيق اختراق ميداني واحد يمنع استمرار سقوط جنوده و-بسهولة كبيرة- صرعى على أيدي المقاومة في عمليات ستستمر، فيما الكيان وداعمه الأميركي يؤكدان استمرار العدوان ويستران عجزهما بغطاء كثيف من التهديدات.. أما الاتحاد الأوروبي وبعد أقل من يوم على تقديمه مبادرة سلام، عاد للإقرار بواقع الحال وأن قدرته في الضغط على الكيان الإسرائيلي محدودة، وأنه وصل إلى أقصى ما يمكن له عمله في مسألة وقف العدوان على غزة.
مؤشرات هدنة جديدة
تلك الليلة المرعبة جاءت وسط تبجح إسرائيلي بتقديم مقترح جديد في سبيل الوصول إلى هدنة جديدة تتضمن استكمال عملية تبادل الأسرى، والمقترح يتضمن مغادرة «كبار قادة حماس» غزة كجزء من اتفاق موسع لوقف إطلاق النار «يُقال إن مدته شهران» وحسب وسائل إعلام أميركية نقلاً عمن سمتهم مسؤولين مطّلعين على مسار التفاوض فإن الكيان قدّم هذا المقترح رغم علمه المسبق أنه من غير المرجح أن يتم قبوله، وكان ذلك لمرتين على الأقل خلال الأسابيع الأخيرة، مرة في وارسو من مدير جهاز «الموساد» ومرة ثانية في الدوحة من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
من البدهي التساؤل هنا عن جدوى تقديم المقترح إذا كان من المعلوم مسبقاً وبصورة حتمية أنه سيتم رفضه، إلى جانب مسألة أن الكيان ليس في الموقع الذي يمكّنه من تقديم مقترحات من هذا النوع ما دامت المقاومة الفلسطينية، وضمنها حركة «حماس»، تحتفظ بكامل قوتها للصمود والضرب وإدامة «الليالي المرعبة».. وتالياً فإن الكيان ومعه الداعم الأميركي يكابران في مسألة أنهما وحدهما يملكان ورقة التفاوض وأنهما يستطيعان فرض الشروط والنتائج.. هذا بات من الماضي، فالمنطقة الآن، وليست غزة فقط، في «مرحلة الرد» وكل تحرك محسوب، وكل فعل إسرائيلي أو أميركي له الرد المناسب وبصورة فارقة.
الكيان عاجز عن تحقيق اختراق ميداني واحد يمنع استمرار سقوط جنوده – وبكل سهولة – صرعى على أيدي المقاومة في عمليات ستستمر مهما استمر العدوان على غزة
رغم ذلك، فإن المسار – كما يبدو – هو باتجاه هدنة جديدة، حيث نشهد موجة من النشاط الدبلوماسي في هذا الإطار، على أن تكون الهدنة هذه المرة موسعة زمنياً وعلى مستوى تبادل الرهائن، وأن يتم الإفراج عن جميع الرهائن، فيما لم يُعرف بعد العدد المقابل الذي سيفرج عنه الكيان. ومن ضمن الهدنة «اقتراح بإعادة انتشار القوات الإسرائيلية والسماح بالعودة التدريجية للفلسطينيين إلى مدينة غزة».
كما لا تتضمن الهدنة وقفاً دائماً لإطلاق النار لأنه – حسب تصريحات متزعم الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمس – فإن «إسرائيل» لن تكون قادرة على تجديد الحرب إن أوقفتها.
فواصل إنسانية!
الإدارة الأميركية جددت بدورها دعم الكيان في مسألة استمرار العدوان، مؤكدة أنها لا تؤيد وقفاً دائماً لإطلاق النار، وحسب منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي فإن بلاده تؤيد «فواصل إنسانية» لإخراج الرهائن وإيصال المساعدات، مضيفاً: هذه هي الخطة العسكرية للإدارة الإسرائيلية والإدارة الأميركية تدعمها.
الاتحاد الأوروبي وبعد أقلّ من يوم على تقديمه مبادرة سلام عاد للإقرار بأن قدرته في الضغط على الكيان محدودة وأنه وصل إلى أقصى ما يمكن عمله في مسألة وقف العدوان على غزة
بالتوازي تشهد قضية محور فيلادلفيا مزيداً من التسخين مع استمرار الضغوط الإسرائيلية ليكون للكيان الإسرائيلي السيطرة الكاملة عليه بزعم منع عمليات تهريب الأسلحة إلى غزة، في تجاهل واضح لكل التأكيدات المصرية بأن المحور مضبوط ومُسيطر عليه، وأن الكيان يمعن في نشر الأكاذيب بهدف إيجاد «شرعية» لاحتلال المحور في انتهاك للسيادة المصرية، وخرق لاتفاقية «كامب ديفيد 1979» التي نظمت عمل المحور والسيادة عليه.
وكانت آخر التصريحات الإسرائيلية حول محور فيلادلفيا الذي يمتد على طول حدود قطاع غزة مع مصر، صدرت قبل أيام من نتنياهو الذي قال: إن محور فيلادلفيا «يجب أن يكون تحت سيطرتنا» من أجل «تحقيق الأهداف التي وضعناها».
وحتى الآن لا تعلّق الولايات المتحدة على التصريحات الإسرائيلية بخصوص محور فيلادلفيا، رغم أنه بالإمكان اعتبار حالة اللاتعليق نوع من الموافقة عليها، وربما هي تمارس ضغوطاً غير معلنة في سبيل تحقيق الهدف الإسرائيلي.
كذلك بالتوازي مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة الذي وصل عدد ضحاياها إلى حوالي 26 ألف شهيد، بعد 109 أيام، إلى جانب عشرات آلاف المصابين والمفقودين والمشردين.. بالتوازي مع ذلك تستمر الولايات المتحدة في عدوانها على اليمن، موجهةً ضربات جديدة، ومتوعدة بتوسيع هذه الضربات باتجاه تدابير أخرى، وتحت المزاعم نفسها حول «حماية الملاحة» في البحر الأحمر.
انتكاسة البحر الأحمر
ورغم أن مسار العدوان على اليمن يشكل «انتكاسة لاستراتيجية بايدن بإعادة توجيه تركيز السياسة الخارجية على روسيا والصين»، حسب صحيفة «واشنطن بوست» إلا أن إدارة بايدن تواصل تصوير عمليتها في البحر الأحمر على أنها تحظى بإجماع دولي عريض رغم أن العديد من أقرب حلفاء واشنطن، خصوصاً في المنطقة، لا يدعمون هذه العملية ولا يشاركون فيها.
ويبدو أن إدارة بايدن تتجه إلى إحداث فارق في هذا المسار عبر موافقتها أمس على ما سمته «عملية مستدامة» في البحر الأحمر، تم تحديد منطقتها غرب اليمن وفقاً لـ«واشنطن بوست» نقلاً عن مسؤولين أميركيين قالوا إنهم يتوقعون أن تستمر العملية سنوات كما كان حال حربي العراق وأفغانستان، حيث لم يتم تحديد تاريخ انتهاء هذه العملية.
يجب أن يكف الكيان الإسرائيلي وأميركا عن المكابرة والتصرف كأنهما وحدهما يملكان ورقة التفاوض ويفرضان الشروط والنتائج.. هذا بات من الماضي.. فالمنطقة بالمجمل وليست غزة فقط هي في «مرحلة الرد» الميداني والسياسي
وفي ميزان المراقبين يعدّ هذا التمديد المفتوح فشلاً أميركياً جديداً في المنطقة، أو لنقل إنه تمهيد لفشل أميركي جديد في منطقة تغيرت بصورة كبيرة خلال العقد الماضي، وهو ما ظهر بصورة جلية جداً بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي، لكن إدارة بايدن تصرّ على عدم رؤية الوجه الجديد للمنطقة وتتعامل معها وفق القواعد القديمة ذاتها.
وفي ميزان المراقبين أيضاً أن هذا التمديد كان متوقعاً في ظل فشل العملية الأميركية في البحر الأحمر المسماة «حارس الازدهار»، فقد أدخلت أميركا نفسها في خطأ استراتيجي جديد ستكون أثمانه باهظة بالنسبة لها وللكيان الإسرائيلي، وكل ما يجري حالياً على جبهة غزة و«الجبهات المساندة» وتطورات المنطقة بشكل عام، هو مؤشرات مهمة يجب على واشنطن قراءتها جيداً قبل فوات الأوان.