الاحتلال الإسرائيلي يغطي إخفاقاته الميدانية وأزماته الداخلية بتصعيد سياسات التجويع والتهجير.. متى وكيف وبأي أثمان يمكن لواشنطن أن تنتشل كيانها من أوهامه؟
تشرين- هبا علي أحمد:
بعد أكثر من 100 يوم على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر تبدو الأمور أكثر تعقيداً وغموضاً، إذ لا أفق للنهاية والخلاص، وكل يوم يصعّد كيان الاحتلال من جريمة التهجير القسري لأهالي القطاع، إلى جانب ذلك تزداد الجبهات اشتباكاً وتصعيداً، وإذ فشل كيان الاحتلال في تحقيق أهداف عدوانه من «القضاء على حماس» واستعادة الرهائن، فإنه يزيد من مقامرته فيما يبدو أنه يتجه نحو حرب استنزاف هدفها الأساس حماية المستوى السياسي المتمثل برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وحكومته، في حين تضيق الولايات المتحدة ذرعاً بنتنياهو الذي يعصيها ويعطيها «الأذن الصماء»..
إعلام الكيان ما بعد 7 تشرين الأول الماضي انتقل من حالة التهليل للعدوان إلى حالة الحديث اليومي عن أزمات «كابينت» الحرب ونتنياهو.. وعن مستقبل مُهدد
وعلى أي حال فإن وسائل إعلام العدو تحولت منذ ما بعد الـ7 من تشرين الأول الماضي من وسائل «مهللة للعدوان» إلى الحديث اليومي عن أزمات «كابينت» الحرب، وأزمة نتنياهو السياسية، ولاسيما أن المطالبات برحيله باتت أكبر من أن يتم التكتم عليها وهو ما يعني أن الكيان يتجه إلى انتخابات جديدة على وقع مستقبل مهدد.
وهم استعادة الأسرى
ليست فقط وسائل إعلام العدو تتحدث عن إخفاق الاحتلال في تحقيق أهداف الحرب، بل حتى الإعلام الأميركي يطالعنا بشكل يومي عن الهزائم والانكسارات التي يُمنى بها العدو، حيث تتزايد الشكوك في أوساط القيادة العسكرية العليا في كيان الاحتلال بشأن إمكان تحقيق الهدفين الرئيسيين للحرب على غزة، وهما «القضاء على حركة حماس، واستعادة أكثر من 100 أسير لا يزالون محتجزين في غزة»، وأوردت صحيفة «نيويورك تايمز» ما لفت إليه العقيد في الاحتياط، كوبي ميروم، بأنه بعد شهر ونصف الشهر من خوض 7 ألوية القتال في خان يونس، لم ينجح الجيش الإسرائيلي في العثور على قيادة حماس، ولم يصل إلى الأسرى، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي فرض سيطرته في غزة على جزء أصغر مما تصوّره في خطط المعركة، منذ بداية الحرب، موضحة أن الخطط الإسرائيلية تضمّنت السيطرة على مدن غزة وخان يونس ورفح بحلول أواخر كانون الأول الماضي، وهو ما لم يتحقق.
وأوردت الصحيفة تصريحات أدلى بها عضو كابينت الحرب الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، أقر بها بعدم تحقق أهداف الحرب، مؤكداً أن من الوهم الاعتقاد بأنه يمكن استعادة الأسرى أحياءً من خلال العمليات العسكرية.
بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر من العدوان.. الوضع أكثر تعقيداً وغموضاً.. بلا أفق للنهاية بينما الجبهات تزداد اشتباكاً وتصعيداً
هذا الواقع دفع المستوطنين إلى الخروج بتظاهرات ضخمة في «تل أبيب» تطالب بإسقاط حكومة الاحتلال الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، وإجراء انتخاباتٍ جديدة، رافعين شعار «100 يوم وليلة من الجحيم»، وتأتي هذه التظاهرات في سياق الضغوط الكبيرة التي تمارسها عائلات الأسرى على حكومة نتنياهو، بهدف دفعها إلى إبرام صفقة تبادل جديدة مع المقاومة الفلسطينية، وذلك في ظل التخوف على حياة هؤلاء الأسرى بعد أن قُتل عدد منهم من جرّاء القصف الإسرائيلي الوحشي على القطاع.
«نتنياهو في دائرة النقد»
على خلفية الاتصال الذي جرى بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونتنياهو بعد انقطاع دامَ 26 يوماً والتناقض الذي أبداه الأخير بين الرفض لفكرة إقامة دولة فلسطينية إلى القول إنه لا يستبعد هذه النتيجة بالكامل، قالت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»: إنّ «الحلم بسلام مع الفلسطينيين على أساس تسوية إقليمية وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل ليس أمراً ممكناً في عهد نتنياهو»، واصفةً إياه بأنه زعيم فاشل أوصل «إسرائيل» والصراع إلى الحضيض الحالي، وأكّدت الصحيفة أنه لا معنى لتصديق نتنياهو في هذه المرحلة، ويجب أن يعرف الأميركيون أنه لا قيمة لكلام أو التزام ما من نتنياهو، فهو رجل بلا كلمة، حتى إن شركاءه الطبيعيين يسمونه «كذاب ابن كذاب».
الكيان في وضع استراتيجي معقد.. وحكومة نتنياهو غير قادرة على اتخاذ أيّ قرار لا بشأن مستقبل غزة ولا الوضع تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية
ونتيجة عدم واقعية الأهداف التي يتحدث بها كيان الاحتلال مراراً، أكّد ما يسمى «المستشار القانوني السابق لجهاز الشاباك»، إيلي بخار أن «إسرائيل في وضع استراتيجي معقد.. وإن حكومة نتنياهو غير قادرة على اتخاذ أي قرار، لا بشأن مستقبل غزة ولا بشأن الوضع تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، والنتيجة هي أنّ الحكومة لا تقدّم أيّ مخرج من الورطة التي وقعت فيها «إسرائيل»، قائلاً: تحتاج «إسرائيل» إلى المساعدة.. ويجب على الولايات المتحدة أن تفهم أن صداقتها مع «إسرائيل» تتطلب منها اتخاذ خطوات من شأنها إخراجها من هذا الشلل الخطر جداً.
تصعيد التهجير القسري
عدم تحقيق الأهداف التي تحدثنا عنها آنفاَ يجعل من كيان الاحتلال مستمراً في إظهار عدوانيته وإجرامه، إذ كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في بيانٍ له، أمس أنّ «إسرائيل» انتقلت مؤخراً إلى مرحلة إفراغ مدينة غزّة من سكانها عنوةً وبقوة السلاح، مشيراً إلى أنّ السلوك الإسرائيلي يأتي ضمن تصعيدٍ لجريمة التهجير القسري، كما أكد أنّ قوات الاحتلال تُصعّد من سياسة التجويع ومنع الإمدادات الإنسانية عن سكان مناطق مدينة غزة وشمال القطاع، وتستخدم ذلك سلاحاً لتحقيق التهجير القسري وإجبار المدنيين على النزوح لمحاولة تجنب الموت قصفاً أو جوعاً، لافتاً إلى أنّ الإحصائيات الأولية تفيد بنزوح نحو مليون و955 ألف فلسطيني من منازلهم في القطاع.
في هذه الأثناء يزداد الوضع الإنساني قتامة في ظل عدم وجود أي تقدم في آلية دخول المساعدات الطبية إلى قطاع غزة، حيث مستشفيات جنوب القطاع عاجزة عن تقديم الخدمات الصحية بالشكل الطبيعي والوضع يفوق قدرتها الاستيعابية بكثير، حسب المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة، الذي لفت إلى أن 70 في المئة من المساعدات الطبية، التي دخلت إلى قطاع غزة، هي خارج نطاق الاحتياجات الأساسية.