أميركا تحاصر نفسها في المنطقة وتوسّع قواعد اشتباك قد تنقلب ضدها.. الكيان يقرّ أخيراً: لسنا في وضعية تمكننا من بحث «اليوم التالي»

تشرين – مها سلطان:

ما أشبه أميركا بكيانها، فبقدر ما نسمع من تصريحات وتسريبات وحتى من غضب أميركي تجاه الوضع الذي يَحشر به الكيان الإسرائيلي نفسه على جبهة غزة و«الجبهات المساندة» بقدر ما يشاهد العالم أميركا وهي تحشر نفسها في الوضع ذاته، وعلى مستويين: الأول يتمثل بمواصلة دعمها للكيان الإسرائيلي من دون «خطوط حمراء» رغم الغضب والانتقادات الأميركية المتواصلة له، التي وصلت إلى حد «حرد» بايدن من نتنياهو ورفضه الرد على اتصالاته الهاتفية.. والمستوى الثاني هو جبهة البحر الأحمر، وذلك مع تجدد الهجمات الصاروخية الأميركية – البريطانية على اليمن اليوم في مسار يبدو أنه سيستمر، بمعنى أننا سنرى المزيد من هذه الهجمات و«الهجمات المضادة» رغم اعتراف أميركا بأن هذه الهجمات ليست رادعة بصورة كاملة، وفق تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بات رايدر، الذي أكد في الوقت ذاته استمرار هذه الهجمات.

أميركا تدفع بيدها مسار التطورات في المنطقة باتجاه معادلات أوسع وأكبر من قدراتها على الاحتواء في المرحلة المقبلة.. هذا ظاهرياً أما ما خفي فهذا علمه لدى الأيام المقبلة

توسيع الجبهة
الاستمرار في الهجمات يعني أن أميركا دخلت الوضعية الإسرائيلية ذاتها، حيث بدأ الكيان الإسرائيلي عدوانه على غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر ومع ذلك لم يحقق حتى الآن أي هدف، وهذا باعتراف متزعمي الكيان أنفسهم.. وهذه الحال تنطبق على أميركا في البحر الأحمر، فهي لن تحقق أي هدف حتى لو استمرت هجماتها أشهراً متتالية، وحتى لو توجهت مرة أخرى إلى مجلس الأمن كما تهدد، ومهما أصدرت من قرارات وتصنيفات، فالولايات المتحدة عندما وسّعت الجبهة باتجاه البحر الأحمر دفعت معادلات المنطقة إلى المستوى الذي سيتجاوزها، أي الولايات المتحدة، وإذا ما أخذنا بالاعتبار تطورات اليومين الماضيين لناحية الرد الإيراني على الهجمات والعمليات الأخيرة التي استهدفت الداخل الإيراني «وهي توسعة أخرى للجبهة» فإن المعادلات في المنطقة ستتحول إلى معادلات اشتباك جديدة أوسع وأكبر من قدرات أميركا، الدبلوماسية والعسكرية، على احتوائها.

الفارق شعرة
وعليه.. من المهم جداً متابعة تطورات الأيام المقبلة بتركيز شديد، إذ يبدو أن المنطقة مقبلة على تصعيد جديد خطر، ربما لا يقود إلى الحرب الموسعة التي يحذر منها الجميع، لكنها محطة في الطريق كما يُقال، وليس بالضرورة أن خشية الجميع من هذه الحرب وجهودهم لمنعها ستقودان إلى عدم اندلاعها، إذ لاتزال المنطقة على الوضعية ذاتها المتمثلة بمسألة أن الحرب هي أقرب ما يمكن، وأبعد ما يمكن.. والفارق شعرة فقط.

يبدو لافتاً أن المنطقة تخلو هذه الأيام من الموفدين الأميركيين فهل هذا يدخل ضمن مسألة «الغضب» الأميركي من سوء إدارة الكيان للحرب أم إن أميركا ترتب لدبلوماسية جديدة

في هذه الأثناء كان لافتاً أن المنطقة تخلو هذه الأيام من الموفدين الأميركيين، ومن غير المعلوم إذا كان هذا ضمن مسألة «الحرد» آنفة الذكر، أم إن أميركا ترتب لدبلوماسية جديدة، لكن وبكل الأحوال فإن التأثير/التحرك الأميركي سيبدو أصعب وسيعاني بصورة حادة في المرحلة المقبلة مع ارتفاع درجة سخونة الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يبدو فيها الرئيس جو بايدن وحزبه بصورة مرتبكة في ظل ما يحققه الرئيس السابق دونالد ترامب من حضور قوى متصاعد على مسار الحملات الانتخابية، وغير خاف أن جبهة غزة والمنطقة ملف انتخابي ساخن جداً في الصراع الانتخابي بين الحزبين، الديمقراطي والجمهوري.
وفيما تخلو المنطقة من الموفدين الأميركيين، يستمر الكيان الإسرائيلي في دوامة ما يسمى «اليوم التالي» مع اتجاه أكثر واقعية في التعامل مع مسألة أنه لا يمكن الحديث عن هذا اليوم في ظل أن الكيان ما زال في وضعية «غير المنتصر»، وهو المصطلح الذي يستخدمه متزعمو الكيان تجنباً لمصطلح «وضعية المهزوم» الذي هو التوصيف الصحيح لحصيلة 104 أيام من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والذي يكاد عدد ضحاياه يقترب من 25 ألف شهيد، نصفهم من الأطفال والنساء، وعشرات آلاف الجرحى، ومثلهم مفقودون، ومئات آلاف المشردين.

من المهم جداً متابعة تطورات الأيام المقبلة إذ تبدو المنطقة مقبلة على تصعيد جديد خطر ربما لا يقود إلى الحرب الموسعة التي يحذر منها الجميع لكنها محطة في الطريق كما يُقال

اليوم التالي»
تساحي هنغبي، رئيس ما يسمى «مجلس الأمن القومي الإسرائيلي» أكد أنه من السابق لأوانه الحديث عن «اليوم التالي» حيث لم تتم هزيمة أحد بعد، بينما يرى وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت أنه لن يكون بالإمكان العيش في «إسرائيل» إذا لم يتم القضاء على «حماس». أما رئيس أركان الحرب هرتسي هاليفي فقد كان أكثر واقعية في الحديث عن جبهة الشمال (لبنان)، مؤكداً أنه لا يستطيع تحديد متى ستندلع الحرب في الشمال، لكن احتمالات اندلاعها باتت أعلى بكثير مما كانت عليه في الماضي، وفق ما نقلت عنه صحيفة «هأرتس» مضيفاً: نريد الوصول إلى هدف واضح للغاية وهو إعادة السكان -أي المستوطنين- إلى الشمال، ونحن نفهم أن هذا لن يمر إلا عبر تغيير مهم للغاية. وتابع: أعتقد أنه عندما يتعين علينا دخول حرب في الشمال فإننا سنفعل ذلك.
ومع كل يوم يمر على الكيان من دون الخروج من وضعية الهزيمة، ومع تضاعف خسائره العسكرية في العتاد والجنود، ومع اشتداد الضغط العالمي الذي يحاصر الكيان ويصمه بجرم الإبادة الجماعية، ومع تشتت التركيز الأميركي بفعل تعدد الجبهات.. مع كل ذلك تزداد حدة ما يسمى الخلافات السياسية داخل الكيان لدرجة أنها تربك الداعم الأميركي نفسه، الذي يضيع صوته وسط أصوات المتصارعين على الحلبة السياسية الإسرائيلية، ولا يبدو أن هذه الحلبة ستُحسم قريباً لمصلحة أي طرف من بين متزعمي الكيان، سواء على مستوى الحكومة أم على مستوى «الكابينت» الذي يعقد اجتماعاً اليوم لبحث الخلافات بين هؤلاء المتعلقة بشكل رئيسي بإدارة الحرب على قطاع غزة والفشل فيها.

هزيمة مضاعفة
طبعاً هذا لا يمنع أن يستمر هؤلاء في إطلاق التهديدات متجاهلين وضعية المهزوم.. نتنياهو جدد أن الحرب مستمرة حتى تحقيق أهدافها، التي لم يتحقق منها أي هدف، بل بات الكيان أكثر تيهاً.. وأكثر من ذلك نتنياهو نفسه لا يعلم مصيره، ولا مصير حكومته التي تحاصرها الاحتجاجات والغضب الداخلي من كل جانب، وبدلاً من أن يكون كامل تركيزها على الحرب أو ما يسمى «اليوم التالي»، يتم التركيز بصورة أساسية على إدارة الخلافات ومنع تفاقمها وهذا ينعكس مباشرة على مستويين: جبهة غزة، والعلاقة مع أميركا، ونقصد بالثانية الحد من قدرة إدارة بايدن على التحرك والتأثير وبما ينعكس هزيمة مضاعفة على الكيان الإسرائيلي.
رغم ذلك، فإنه من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تطورات مهمة كما ذكرنا آنفاً، ويعتقد فريق واسع من المراقبين أن أميركا بصدد حملة دبلوماسية جديدة باتجاه المنطقة، يرافقها تحرك في مجلس الأمن الدولي على مستوى استصدار قرار جديد فيما يخص جبهة البحر الأحمر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار