«إسرائيل» تُحاكَم.. صوت أطفال غزة من جنوب إفريقيا إلى «العدل الدولية» فهل نرى إنصافاً للشعب الفلسطيني هذه المرة؟

تشرين- هبا علي أحمد:
لا نعلم كم من الجرائم والتوحش يجب أن يُظهره كيان الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه المستمر على قطاع غزة لليوم الـ97 على التوالي، بل في عدوانه المستمر منذ عام 48، حتى تتم ليس فقط إدانته بل تجريمه ومحاسبته بصورة شاملة كاملة؟
ولا نعلم لماذا قد تحتاج هذه الجرائم إلى محاكمات ودعاوى وهي واضحة وفاضحة، إبادة كلية متكاملة الأركان يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عقود وإلى اليوم من دون أي رادع، بل هناك صمت مطبق ومخزٍ؟ ولا نعلم أيضاً لماذا يمنح القضاة في محكمة العدل الدولية لدراسة دعوة لجنوب إفريقيا ضد كيان الاحتلال من 3 إلى 6 أسابيع والقضية واضحة جداً؟

يُحسب لجنوب إفريقيا انتصارها ولو معنوياً لقضية الشعب الفلسطيني العادلة والمحقة ولأطفال غزة وشبانها وشيوخها ونسائها

لكن علي أي حال وفي وسط هذه الإبادة المتوحشة والصمت المدوي والتستر عليها- مع استثناءات إقليمية وعالمية تمثلت في التظاهرات والاحتجاجات والدعوة لوقف العدوان على غزة- يُحسب لجنوب إفريقيا انتصارها ولو معنوياً لقضية الشعب الفلسطيني العادلة والمحقة ولأطفال غزة وشبانها وشيوخها ونسائها، كما يُحسب لها امتلاك زمام المبادرة على نحو لافت وغير مسبوق في فتح جبهة قانونية ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي وهي بالضرورة جبهة ستطول الولايات المتحدة الأميركية الراعي والداعم الأول لأي عدوان وإرهاب ضد شعوب المنطقة وعلى نحو خاص دعمها اللامحدود لكيانها الصهيوني، كما يُحسب لها إدراكها المسبق لأي تداعيات لأن الضغوط الأميركية المقبلة لن ترحمها والفترة المقبلة لن ترحمها.

التفاصيل
تبدأ محكمة العدل الدولية اليوم النظر بالدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا ضد كيان الاحتلال على أن تستمر المناقشات اليوم وغداً الجمعة، حيث رفعت جنوب إفريقيا في 29 كانون الأول الماضي دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي لارتكابه أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وهي جريمة تحرمها وتعاقب عليها اتفاقية «منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها»، وتشمل كل فعل يرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كما تشمل الأفعال المعنية كما جاء في ملف الدعوى المؤلف من 84 صفحة قتل الفلسطينيين في غزة، والتسبب في أذى جسدي وعقلي خطير لهم، وفرض ظروف معيشية عليهم تهدف إلى تدميرهم جسدياً، كما طلبت جنوب إفريقيا من المحكمة إصدار إجراءات مؤقتة تأمر «إسرائيل» بوقف حربها في غزة، وهي ضرورية في هذه القضية للحماية من المزيد من الضرر الشديد وغير القابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني.. الإجراء المؤقت هو أمر مؤقت بوقف الأفعال، أو أمر قضائي، في انتظار صدور حكم نهائي.

سابقة قانونية وتاريخية
بالعادة لا يتم التعويل على ما يجري في المؤسسات الدولية لخضوعها الدائم لسطوة «السيّد» الأميركي الداعم للكيان، وبالتالي ما لم تتخذ إجراءات فعلية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ستبقى أي إجراءات صورية، رغم أن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا تٌعد فارقة، لأنها استخدمت ورقة الاتفاقية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية، التي تعد «إسرائيل» أحد الموقعين عليها.. فأحكام محكمة العدل الدولية تدين فقط، أي إنها تشير إلى المخطئ من دون إعطاء قرار بالقبض عليه، ناهيك بأن رفع القضية في حد ذاته ليس فعلاً كافياً مادامت الدول الكبرى لم تتخذ مواقف مساندة لهذا التحرك، لأن التحرك أمام محكمة العدل لن يكون سوى محاولة إثبات الخطأ ومن دون أي عقاب، ولكن أي حكم ضد «إسرائيل» يمكن أن يلحق الضرر بسمعتها الدولية ويُشكّل سابقة قانونية، وفق صحيفة «معاريف» الإسرائيلية.

الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا تعدّ فارقة لأنها استخدمت ورقة الاتفاقية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية التي تعد «إسرائيل» أحد الموقعين عليها

ويرى خبراء أن الدعوى التي تم رفعها بشأن ارتكاب «إسرائيل» جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني خطوة تاريخية نحو مساءلة الكيان الصهيوني وفق القانون الدولي، داعين إلى ضرورة اتخاذ محكمة العدل الدولية قرارات احترازية عاجلة تلزم «إسرائيل» بوقف فوري لانتهاكاتها في غزة، استناداً إلى المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة، حيث تخول تلك المادة المحكمة سلطة إصدار أوامر باتخاذ تدابير مؤقتة لحماية حقوق أطراف النزاع، من بينها الأوامر التي تهدف إلى منع وقوع ضرر بصورة لا رجعة فيها.

نقاط القوة
لن نتوقف عند المزاعم الإسرائيلية الواضحة للجميع حول «دفاعها عن نفسها» والمؤيًّدة من الغرب الأوروبي الرسمي على وجه الخصوص والأميركي بطبيعة الحال، ولاسيما أن الكيان يعد العدة لـ«كسب الجولة» وكسب «التعاطف»، رغم أن دماء أطفال غزة لم تجفُ بعد، كما أنه وبصرف النظر عن المجريات الحاصلة واللاحقة في محكمة العدل الدولية بخصوص دعوى جنوب إفريقيا، والقرارات التي تخلص إليها المحكمة، وعن التساؤل إن كانت ستشير بإصبع الاتهام إلى الجلاد الإسرائيلي وتثأر لكل فلسطين.. فإن الدعوى المذكورة تتضمن العديد من نقاط القوة، كما يشرح عالم السياسة الأميركي جون ميرشايمر في مقالة له نُشِرَت في موقع «شيربوست» الأميركي، بعنوان «الإبادة الجماعية في غزة»، حيث قال: إنها وثيقة تصف بالتفصيل الفظائع التي ألحقها جيش الاحتلال الإسرائيلي بالفلسطينيين منذ 7 تشرين الأول 2023، وتشرح سبب وجود المزيد من الموت والدمار الذي ينتظرهم، وأن الدعوى تقدّم مجموعة كبيرة من الأدلة التي تظهر أن «القادة» الإسرائيليين لديهم نية بالإبادة الجماعية تجاه الفلسطينيين في غزة، موضحاً أن السياسة الإسرائيلية تتعمد إحداث تدمير مادي للفلسطينيين في غزة.
وكذلك تذهب الوثيقة، كما ذكر ميرشايمر، إلى أبعد الحدود، لتضع حرب غزة في سياق تاريخي أوسع، وتقتبس من العديد من تقارير الأمم المتحدة التي تفصّل معاملة كيان الاحتلال القاسية للفلسطينيين. باختصار توضح الدعوى أنّ ما فعله الإسرائيليون في غزة منذ 7 تشرين الأول ليس سوى نسخة أكثر تطرفاً مما كانوا يفعلونه جيداً قبل ذلك التاريخ، وأهمية الوثيقة أنها تجمع كل هذه الحقائق معاً في مكان واحد، وتقدّم وصفاً شاملاً ومدعوماً تماماً للإبادة الجماعية الإسرائيلية. بمعنى آخر توفر الصورة الكبيرة مع عدم إهمال التفاصيل، كما أوضح ميرشايمر.

دعوى جنوب إفريقيا ضد «إسرائيل» خطوة تاريخية نحو مساءلة الكيان الصهيوني وفق القانون الدولي

ماذا عن أمريكا؟
يرى ميرشايمر أنّ دعوى جنوب إفريقيا، وإن كانت تركّز على «إسرائيل»، إلا أنّ لها تداعيات هائلة على الولايات المتحدة، وخاصّة الرئيس جو بايدن ومساعديه الرئيسيين، فالتقرير يفضح تواطؤ بايدن وإدارته في الإبادة الجماعية، وهو أيضاً عمل يُعاقب عليه وفقاً لاتفاقية الإبادة الجماعية، وعلى الرغم من اعترافه بأنّ «إسرائيل» متورطة في قصف عشوائي، فإن بايدن صرح أيضاً بأنه «لن نفعل شيئاً سوى حماية إسرائيل».
ويجزم ميرشايمر بأنّ بايدن كان صادقاً في كلمته، فقد ذهب إلى حد تجاوز الكونغرس مرتين للحصول بسرعة على أسلحة إضافية لـ«إسرائيل».
نعود ونقول إنه أياً كانت النتائج، فالصوت في محكمة العدل الدولية اليوم وغداً فلسطيني انطلق من عمق جنوب إفريقيا التي رفعت يدها في وجه الغطرستين الإسرائيلية والأميركية.. فهل يصل هذا المسار إلى خاتمة جيدة ومنصفة للشعب الفلسطيني ولو لمرة واحدة منذ نكبته في أربعينيات القرن الماضي حتى الآن؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار