لا جديد يحمله بلينكن.. غزة والمنطقة رهن عامل الانتظار .. لا هدنة قريبة ولا تبادل أسرى

تشرين- مها سلطان:
يتابع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولته الحالية، وهي الرابعة له إلى المنطقة، والخامسة إلى الكيان الإسرائيلي، منذ عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي، منتقلاً إلى الإمارات والسعودية اليوم، على أن يغادر بعدها إلى الكيان الإسرائيلي، من دون معرفة ما إذا ستكون هذه محطته الأخيرة، أو قد ينتقل إلى دولة أخرى، إلى مصر ربما، حيث يواصل الكيان الضغط باتجاه أن تقبل مصر بتغيير وضعية محور صلاح الدين – فيلادلفيا «خلافاً لما هو عليه في اتفاقية كامب ديفيد 1979» وتركيب أجهزة استشعار ومراقبة على طول المحور الذي يمتد 14 كم من البحر المتوسط شمالاً إلى معبر كرم أبو سالم على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة، وترفض مصر هذا الأمر باعتباره انتهاكاً لسيادة البلاد «وحسب كامب ديفيد يستوجب الحصول على إذن مسبق من الطرف الآخر قبل تنفيذ أي عمل عسكري في هذه المنطقة/ محور صلاح الدين/فيلادلفيا»، ويزعم الكيان الإسرائيلي أن هذا المحور هو معبر أساسي لدخول السلاح إلى غزة ولا بد من السيطرة عليه، وإلا فإن «يوم 7 تشرين الأول» سيتكرر بصورة دائمة، هذا على فرض أن «7 تشرين الأول الحالي» سينتهي قريباً أو أن حال الكيان ستعود إلى ما كانت عليه قبل هذا اليوم، حسب تصريحات كبار متزعمي الكيان.

الجولة الحالية لبلينكن لن تكون الأخيرة ولا تختلف عن سابقاتها باستثناء ذلك المُعلن حول الحيلولة دون بروز جبهة جديدة ومجمل التساؤلات تتركز حول كيف سيفعل ذلك ووفق أي مسار وضغوط؟

بكل الأحوال ومن سياق مسار جولة بلينكن لا يبدو أن هذه المسألة على جدول الأعمال ظاهرياً على الأقل، أو هي ربما مؤجلة إلى ما بات يسمى اصطلاحاً مسألة «اليوم التالي»، أي الترتيبات المستقبلية لما بعد انتهاء الحرب، حيث مصر طرف رئيسي إلى جانب الأردن والجوار، وأخيراً تركيا التي أدرجت على جدول جولة بلينكن وكانت البداية منها.
بلينكن الذي تزامنت زيارته مع زيارة كبير مستشاري البيت الأبيض آموس هوكشتاين إلى لبنان «ومع مفوض السياسات الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل»، لم يخرج عن إطار تصريحاته المعتادة، تحت عنوان «خفض التصعيد ومنع بروز جبهة جديدة في المنطقة»، مُغلفاً إياها بمزاعم إنسانية حول رفض بلاده تصريحات متزعمي الكيان حول تهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى، وأن على الكيان العمل على تجنب سقوط «ضحايا مدنيين»، علماً أنه مع وصول بلينكن وصل عدد هؤلاء الضحايا إلى حوالي 23 شهيداً و60 ألف جريح، نصفهم من النساء والأطفال، وعشرات آلاف المفقودين تحت أنقاض القصف الإسرائيلي الوحشي الذي دخل شهره الرابع، ومئات آلاف المشردين والنازحين، ولا يزال عداد الدم قائماً مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وأهلها.
ولا ندري إذا كانت تصريحات تيدروس غيبريسوس، رئيس منظمة الصحة العالمية، اليوم، قد وصلت إلى مسامع بلينكن، والتي قال فيها إن الكيان الإسرائيلي بعد ثلاثة أشهر من الحرب، حوّل غزة «إلى حمّام دم»، قائلاً: «لا يمكن تصور عدم ضمان الرعاية الصحية.. حمّام الدم في غزة يجب أن يتوقف». وتأتي هذه التصريحات على خلفية تلقي منظمة الصحة العالمية تقارير خطرة عن اشتداد القتال وأوامر الإخلاء بالقرب من مستشفى الأقصى في غزة وبما أجبر أكثر من 600 مريض ومعظم العاملين في المجال الصحي على المغادرة، وحيث مكانهم مجهول حتى الآن»، حسب بيان للمنظمة أمس. وأضاف غيبريسوس: لا توجد مستشفيات تعمل بكامل طاقتها في شمال غزة، حيث تم إلغاء مهمة أخرى لمنظمة الصحة العالمية اليوم بسبب المخاطر وعدم الحصول على التصاريح اللازمة، وفي أماكن أخرى من غزة لا يعمل سوى عدد قليل من المرافق الصحية.
لا نعتقد أن المزاعم الإنسانية التي يطلقها بلينكن كانت بسبب تصريحات غيبريسوس، أو غيرها من التقارير التي تصف بدقة شديدة الوحشية الإسرائيلية تجاه أهل غزة، ومنها التقرير الأخير لمنظمة «إنقاذ الطفولة» أمس، الذي جاء فيه أن ما لا يقل عن 10 أطفال يفقدون أرجلهم كل يوم في قطاع غزة، وقال جيسون لي، منسق شؤون المنظمة التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها: إن معاناة أطفال غزة لا يمكن تصورها.

مع كل زيارة أميركية – أوروبية وحتى مع كل تطور على جبهة غزة أو على مستوى بروز جبهات جديدة.. كل شيء رهن للانتظار لأن كل تطور بالمجمل يتوقف عند نقطة محددة ويستقر فيها ما يعمق حالة اللايقين ويُصعّب توقع تطورات محددة

هذه المزاعم الإنسانية لبلينكن تنطلق من مسألة الحرج العالمي الذي تسببه للولايات المتحدة ودعمها المطلق للكيان الإسرائيلي ومن دون «خطوط حمراء».. حتى هذا الحرج لا ينطلق ولا يتعلق بالإنسانية وإنما بوضعية أميركا التي تهتز عالمياً، وتالياً بوجودها ونفوذها في المنطقة حيث تعاني من تراجع مستمر، خصوصاً بعد اندلاع جبهة غزة منذ 7 تشرين الأول الماضي، حيث إن صورة الكارثة الإنسانية في غزة التي تدور وتلف العالم عمقت من اهتزاز مكانة أميركا في المنطقة، وبما ينسحب بصورة أساسية على زعامتها العالمية، ومع ذلك هي لا تكف- وفي تناقض صارخ مع ما يزعمه بلينكن- عن التصريح بأنها لم ولن تضع خطوطاً حمراء أمام الكيان ولن تحاسبه على أفعاله.
كذلك لا نعتقد أن هذه المسألة ستكون مدرجة بصورة أساسية على جدول زيارة بلينكن إلى الكيان الإسرائيلي اليوم «على أن يزور رام الله أيضاً»، حيث من المتوقع – حسب «القناة 12» الإسرائيلية – أن يبحث بلينكن مع متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو ما سمته «الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب» ومن ضمنها إتاحة الفرصة للنازحين من أهل غزة للعودة إلى مناطقهم شمالاً التي هُجروا منها تحت القصف الإسرائيلي، و«إتاحة الفرصة» هنا لا تتخذ بأي شكل، حالة الضغط على الكيان وإنما الطلب، فقط الطلب منه ودعوته إلى السماح بذلك.
وفيما جولة بلينكن تتركز على خفض التصعيد ومنع بروز جبهة جديدة، يواصل الكيان تهديداته باستمرار الحرب على غزة عدة أشهر أخرى، وربما طوال العام الحالي 2024، حسب تهديدات رئيس أركان الحرب الإسرائيلي هرتسي هاليفي الذي قال في كلمة أمس: من المؤكد أن القتال سيتواصل في غزة طوال هذا العام.
أما على جبهة الشمال فمازالت التقارير تتوالى في الإعلام الأميركي عن الخلافات المتصاعدة بين واشنطن والكيان حول التهديدات الإسرائيلية بتوسيع العمليات على هذه الجبهة، وحسب تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» أمس فإن رفض واشنطن ينطلق بسبب مخاوف من أن جبهة الشمال ستجر معها إيران وجماعات أخرى، وتجبر واشنطن على اللجوء «إلى رد عسكري إلى جانب إسرائيل»، مشيرة إلى أن واشنطن تواصل تحذير «إسرائيل» في كل مناسبة من التصعيد على الحدود مع لبنان.
وتؤكد الصحيفة الأميركية أن «إسرائيل» لن تكون لها اليد العليا في جبهة الشمال، حيث ستكون مُجبرة على تشتيت جهدها العسكري على أكثر من جبهة، وهذا أمر مرهق للجيش الإسرائيلي.
هذا عدا عما تعانيه الجبهة الداخلية الإسرائيلية من انقسام حاد بشأن الحرب على غزة واستمرارها وكيفية إدارتها، وهذا الانقسام يضرب الحكومة والجيش، كليهما من جهة، كما يستهدفهما كلاً على حدة من جهة أخرى، بينما المستوطنون الإسرائيليون لا يكفون عن الخروج في تظاهرات عارمة ضد حكومة نتنياهو مطالبين بإسقاطها لفشلها المزمن على كل المستويات، خصوصاً على مستوى استعادة الرهائن التي بدا أنها توقفت كلياً بعد عملية الاغتيال الذي نفذها الكيان بحق القيادي في حركة حماس صالح العاروري، وهذا ما قاله الوسيط القطري خلال زيارة بلينكن، حيث كانت هذه المسألة على قائمة البحث.
وحسب شبكة «إن بي سي نيوز» نقلاً عن مسؤولين أميركيين، فإن المفاوضات بشأن هدنة جديدة تتضمن تبادل رهائن، تم تعليقها بعد اغتيال العاروري، وتضيف: لقد أثرت هذه العملية بشكل كبير في سير التفاوض، ولا يبدو أن الطرف الآخر «أي حماس» يرى أن لديه مصلحة أو حافزاً للاستمرار في إتمام المفاوضات، لأن «إسرائيل» ستواصل بعد ذلك مهاجمة قطاع غزة.
بكل الأحوال، ودائماً، لا بد من عامل الانتظار، مع كل زيارة أميركية – أوروبية إلى المنطقة، وحتى مع كل تطور سواء على مستوى جبهة غزة أو على مستوى بروز جبهات جديدة.. كل شيء رهن للانتظار، لأن كل تطور بالمجمل يتوقف عند نقطة محددة، ويستقر فيها، لا يتقدم ولا يتراجع، وهذا ما يعمق حالة اللايقين ويُصعّب على الجميع توقع ما ستكون عليه تطورات الأيام المقبلة

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار