بعد ثلاثة أشهر من العدوان على غزة.. غموض يلف «اليوم التالي».. والرصيد الأميركي يتحول إلى عبءٍ استراتيجي وحساب الاقتصاد يرتفع!

تشرين – هبا علي أحمد:
حتى الآن لم يستطع كيان الاحتلال الإسرائيلي البحث في اليوم الذي يلي عدوانه الهمجي على قطاع غزة المحاصر المتواصل منذ ثلاثة أشهر، والأمر لا يحتاج إلى كثير من التفسير أو التساؤل، فالعدو ذاته لا يملك أي أفق حول «اليوم التالي» حتى واشنطن الداعم والراعية لا تملك هذا الأفق، هي تبحث اليوم التالي، ولكن إلى اليوم لم يعلم أحد ما هي الخطة، والواضح أن «اليوم التالي» للعدو يحدث فقط عند تحقيق إنجازات، وعلى اعتبار أن لا إنجازات تذكر فإن اليوم التالي سيبقى غامضاً، ولأنه غامض يواصل العدو محاولة تصدير صور مغايرة للواقع، إذ يبحث مع الكونغو ودول آخرى خطة لاستيعاب المهجرين من قطاع غزة كأنه بذلك يستطيع حسم الأمر لمصلحته، وكأنه يهرب بخطوة إلى الأمام لكنها خطوة دونها الكثير من العواقب والرفض الدولي الذي يتسع يوماً بعد آخر.. لكن في الحقيقة والتفاصيل فإن العدو يواصل سياسة إنكار الميدان وانتصار المقاومة على امتداد جبهاتها في فلسطين عموماً ولبنان على وجه الخصوص هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تأجيل النقاش حول اليوم التالي للعدوان، كما تقول المعلومات، يصُبّ في مصلحة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يخشى من لجنة التحقيق، ويقلق أكثر من استمرار محاكمته بتهم الفساد وخيانة الأمانة والاحتيال.

«استحالة تحرير الأسرى»
على أي حالة فإن سياسة الإنكار باتت واضحة، وحجم الهزيمة التي يمر بها الكيان لم يعد بالإمكان التعتيم عليه باختلاق الأكاذيب والحجج، حتى إعلام العدو لم يكن بهذه الصورة من «الوضوح والشفافية» لأن واقع الحال اقتضى الإقرار، وباتت وسائله في مقدمة من يتحدث عن التعثر وما يُحكى وما لا أحد يريد الاعتراف به، إذ قال محلل الشؤون الاستخباراتيّة في الكيان رونين بيرغمان: «إنّ أحداً في «إسرائيل» لا يريد الاعتراف باستحالة تحرير الأسرى، أو القضاء على حماس، ولفت إلى تنبؤات الجيش الإسرائيلي قبل حرب لبنان الثانية، بأنّه في حال اشتعال الوضع القتالي ضد حزب الله، فإنّ القدرات الجوية والبرية للجيش ستكون قادرة على تعطيل جميع مصادر النيران، ولن يتمكّن حزب الله من إطلاق «الكاتيوشا» على إسرائيل، إلّا عن ظهر حمار، وفي النهاية تبيّن أنّ هناك كاتيوشا وأكثر من ذلك بكثير، وكان هناك حمار، لكن ليس من المؤكد أنّه كان يمشي على أربع».

شكلت «طوفان الأقصى» انعطافة حاسمة في مجريات الحدثين الإقليمي والدولي إذ كل الدعم الذي يتلقاه العدو وضع على المحك أمام الضغط الشعبي المناصر للقضية الفلسطينية وخاصة دولياً

وأكّد بيرغمان «أنّ أحداً لم يخبر الجمهور باحتمال أنْ يكون القادة يخلقون وهماً كاذباً، ومن المرجح إنهاء «إسرائيل» جولتها من القتال المسلح، من دون تحقيق الهدف الأول للحرب، بالتدمير الكامل، إنّما هي مجموعة من الصواريخ فقط من دون تدمير كبير لشبكة الأنفاق تحت الأرض، وأضرار جزئية للغاية، في مجموعة السنوار وكبار مساعديه السبعة، الذين لم يقتل سوى اثنيْن منهم فقط حتى الآن».
«إسرائيل لم تعد رصيداً للولايات المتحدة»
شكلت «طوفان الأقصى» انعطافة حاسمة في مجريات الحدثين الإقليمي والدولي، إذ كل الدعم الذي يتلقاه العدو وضع على المحك أمام الضغط الشعبي المناصر للقضية الفلسطينية ولاسيما دولياً، وكل جملة المعطيات جعل الكيان يمر بالفترة الأصعب حتى داخلياً، إذ بات نتنياهو منبوذاً داخلياً ومتهماً أمام مستوطنيه، إضافة إلى تهمته القضائية، إذ قال رئيس «الموساد» الأسبق، تامير باردو: «إنّ إسرائيل تمر بالفترة الأصعب والأكثر تعقيداً منذ قيامها، وسنة 2023، التي انتهت، كانت الأفظع على كل الصعد، بدأت ببناء ائتلافٍ فاسدٍ، هدفه حماية رئيس الحكومة، المتهم في المحكمة. حكومة استخدمها بنيامين نتنياهو لإعلان انتصاره، حكومة يُشكِّل فيها المتطرفون ركيزةً أساسيّةً ويتوّلون مناصب مركزيّة.. لم يمر سوى شهرين ليبدأ الانقلاب القضائي بقيادة نتنياهو، وتبدأ معه الفوضى.. نتنياهو أطلق حملة لبثّ التفرقة، هدفها الوحيد هدم المجتمع في إسرائيل، وتبنّي عنصريّة خطرة، ولم تساعد تحذيرات أجهزة الأمن من تهديدٍ واضحٍ وفوري بحربٍ متعددة الجبهات، ولم يُصغِ أحد إليها».

 العدو يواصل سياسة إنكار الميدان وانتصار المقاومة على امتداد جبهاتها في فلسطين عموماً ولبنان على وجه الخصوص

وشدّد على أنّ «الخطر الكبير على إسرائيل هو أنّها، للمرة الأولى، يمكن أنْ تكون بمواجهةٍ مباشرةٍ مع مصالح الأمن القومي الأميركي العليا»، وخلُص بإطلاق تحذيرٍ قائلاً: «الويل لنا، إذا قامت البنتاغون ووزارة الخارجيّة الأميركيّة، في يومٍ ما، بتوجيه بيانٍ إلى الكونغرس والبيت الأبيض، وقالا فيه: إنّ إسرائيل لم تعد رصيداً للولايات المتحدة، وتحولت إلى عبءٍ استراتيجيٍّ، الأمور أمامنا واضحة، ومن الأفضل لنا جميعاً أنْ نفهم ذلك».

سياسة الإنكار باتت واضحة وحجم الهزيمة التي يمر بها الكيان لم يعد بالإمكان التعتيم عليه باختلاق الأكاذيب والحجج

حساب اقتصادي كبير
لاشك بأن العدوان الإسرائيلي على غزة خلّف دماراً بشرياً ومادياً هائلاً في إطار الإبادة الجماعية والإرهاب الممنهج والمنظم، لكن الشعب الفلسطيني يستطيع كما دائماً النهوض والإعمار لأنه ابن الأرض، أما الصهاينة فمارقون وأي خلل ودمار وأي جولة قتال تضع الكيان على المحك اقتصادياً، فكيف إذاً يمكن أن تكون الحال بعد ثلاثة أشهر من القتال الخاسر والخالي الوفاض والذي كلف الشمال على وجه التحديد الكثير، فبالأرقام أفادت وسائل إعلام العدو بأنّ هناك حساباً اقتصادياً كبيراً ناتجاً عن تضرر المباني في مستوطنات غلاف غزة منذ 7 تشرين الأول وما تبعه، وذكرت صحيفة «كلكليست» الاقتصادية الإسرائيلية أنّ «1700 منزل تضررت في غلاف غزة في 7 تشرين الأول وما بعده.. وهناك 200 منزل بحاجة لهدم وبناء من جديد، مشيرةً إلى أنّ ترميم المنازل سيكلّف ما لا يقل عن ملياري شيكل أي نحو 550 مليون دولار، وتكلفة ترميم المنازل تضاف إليها تكلفة إخلاء السكان من الجنوب والشمال التي تصل من الآن إلى 2.4 مليار شيكل».
يأتي ذلك فيما يدرس رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إغلاق بعض المكاتب الحكوميّة، وتحويل أموالها لتغطية تكاليف الحرب.

 العدو لا يملك أي أفق حول «اليوم التالي» حتى واشنطن الداعم والراعية لا تملك هذا الأفق هي تبحث اليوم التالي ولكن إلى اليوم لم يعلم أحد ما هي الخطة

تجدر الإشارة إلى أنّ التقديرات الإسرائيليّة تشير إلى أن تكلفة الحرب على غزة تزيد على 50 مليار دولار.
وكانت تقارير اقتصادية قد أشارت إلى الأضرار الكبيرة التي تصيب القطاعين السياحي والخدمي لدى كيان الاحتلال، حيث ذكر تقرير موقع «غلوبس» الإسرائيليّ أنّ مرفق السياحة انخفض في فئته بنسبة 73%، وسُجّلَ انخفاضاً بنسبة 64% بحجم المعاملات، كما سُجّلَ انخفاضاً بنسبة 26% بمتوسط مبلغ المعاملة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار