الرصاص حوّل المراسم إلى مآتم.. والحل بالوعي قبل الردع
دمشق – زهير المحمد:
على الرغم من التحذيرات التي أطلقتها وزارة الداخلية من مغبة إطلاق العيارات النارية في احتفالات رأس السنة، إلا أنه، وللأسف، لم تلقَ آذاناً مصغية لدى بعض الموتورين وضعاف النفوس، والذين لا يتركون أي مناسبة للتعبير عن جهلهم وتخلفهم وعدم إدراكهم مغبة ما يقومون به.
لوعة
المواطن أبو حسن يستذكر المأساة التي ألمّت به وبعائلته نتيجة لفقدان فلذة كبده منذ عدة سنوات بطلق ناري طائش، مدوناً على صفحته الشخصية على فيس بوك قائلاً: (كل سنة وروحك بألف خير، مثل هذه اللحظات ومنذ أربع سنوات كانت المأساة، مازال بعض الموتورين يكررون أفعالهم ويطلقون نيران جهلهم، والذي من الممكن أن يخطف أرواحاً بريئة، خسارتي فيك يا ابني لا تعوض، ألم ووجع بيحرق القلب والروح).
خسائر مادية
ولا تتوقف الخسائر الناجمة عن إطلاق النار على الخسائر بالأرواح، ففي أحيان كثيرة تثقب الرصاصات الطائشة خزانات المازوت أو خزانات المياه، والجديد الآن هو الخسائر التي قد تلحق بألواح الطاقة الشمسية.
المواطن محمد أكد أنه يضطر ومنذ عدة سنوات وقبل بدء احتفالات رأس السنة لفك ألواح الطاقة الشمسية من سطح البناء ووضعها في مكان آمن خشية من أن تلحقها أي أضرار من مطلقي النيران، مشيراً إلى أن تكاليف فك وتركيب الألواح الشمسية باتت مكلفة جداً وتصل إلى نحو مليون ليرة.
باحث اجتماعي: لا تقتصر أضرارها على الإيذاء الجسدي بل تمتد إلى آثار نفسية على المجتمع
آثار نفسية
الباحث الاجتماعي أحمد علي أوضح لـ(تشرين) أن ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية سواء بالأتراح أو بالأفراح هي ظاهرة خطيرة جداً، إذ لا تقتصر أضرارها على الإيذاء الجسدي فحسب، الذي من الممكن أن يؤدي إلى الوفاة أو إحداث إعاقات أو إصابات خطيرة للمواطنين الذين يصابون بتلك الأعيرة الطائشة، إذ تمتد ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية إلى آثار نفسية على المجتمع، علماً أن الأكثر تأثراً بذلك هي شريحة الأطفال لما تتركه هذه الظاهرة عليهم من الشعور بالخوف والقلق والذي من الممكن أن يستمر معهم سنوات طويلة.
وأضاف علي: كما أن الأثر السلبي لهذه الظاهرة يمتد إلى المراهقين أيصاً، والذين من الممكن أن يتأثروا بمطلقي النار، وفي ظل غياب رقيب عليهم أو موجه لهم، من الممكن أن يعتبروها ظاهرة إيجابية، ويتعلموا سلوكيات غير منضبطة تؤثر في شخصياتهم لاحقاً.
رأي القانون
بدوره أوضح المحامي علي بركات لـ(تشرين) أن مسألة إطلاق الرصاص العشوائي في المناسبات هي إحدى الظواهر الاجتماعية السلبية الخطيرة التي كانت موجودة، وتفاقمت مع سنين الأزمة في سورية، موضحاً أن القانون يحتوي جملة من الضمانات لحل هذه الظاهرة لكنه وحده لن يحقق شيئاً، فقوة القانون بتطبيقه رغم أن مواده كانت حاسمة، فمثلاً؛ إن إطلاق النار من أي سلاح حربي يعتبر شروعاً تاماً بالقتل لأنه سلاح قاتل بحدّ ذاته، حتى لو لم يتوفر عنصر الإرادة الجرمية من مطلق النار وحتى لو لم يرد تحقيق النتيجة، لأنه كان يجب أن يضع في حسبانه أن هذا السلاح قاتل بطبيعته، وكما هو معلوم فإن سلاحاً حربياً مثل البندقية كلاشنكوف قادر على رفع مقذوف الطلقة في الهواء إلى مسافة نصف كيلو متر بشكل عامودي ومن بعدها سينزل المقذوف بسرعة عالية عبر السقوط الحر، مسبباً الوفاة الحتمية أو الشلل أو أي إصابة بالغة سواء في جسم إنسان أو كائن آخر قد يخترقه، ناهيك بالخسائر المادية في السيارات والمنازل والمحال وألواح الطاقة البديلة وتسخين المياه.
المحامي بركات: القانون يحتوي جملة من الضمانات لحل هذه الظاهرة لكنه وحده لن يحقق شيئاً
وأكد المحامي بركات أنه صدر قرار منذ عام ٢٠١٥ بمنع اصطحاب الأسلحة الحربية إلى المنازل، وهذا بحدّ ذاته يرتّب المسؤولية المسلكية على كل من وضع بندقيته في منزله، فكيف إذا استخدمها للاحتفال، مطلقاً النار من دون أمر نظامي ومن دون وجود حالة دفاع ضدّ خطر، ولا ننسى أيضاً الذخيرة التي تعتبر من الآليات الدفاعية والتي هدرها أو تخريبها يعتبر جناية بحدّ ذاته، فكيف هي الحال في من قد أهدر صناديق كاملة من ذخيرة البنادق ما بين الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة ليلاً مروعاً الأهالي والآمنين.
وأضاف بركات: إن الأهالي في الجوار تترتب عليهم المسؤولية في عدم إعلام الجهات المختصة عن مطلقي النيران العشوائية، وهذا مرده إلى استخفافهم بسلامتهم وسلامة أطفالهم، أو جهلهم بالقوانين، أو عدم تقديرهم خطوره هؤلاء الأشخاص، ويفترض من الجميع عدم التهاون والإعلام عن مثل تلك الحالات الفردية لضبطها وتحقيق الردع الخاص (للمجرم نفسه) والردع العام (لمن تسول له نفسه الإقدام على الجرم مستقبلاً).
ولفت المحامي بركات إلى أن الحل الأول يجب أن ينبع من المجتمع ذاته، وإلا سنحتاج فرقاً كاملة من الجهات المختصة تنتشر بين البيوت في كل الأحياء للقضاء على الظاهرة، وهو حل ليس بالسهل وتطبيقه قد لا يعود بالنتيجة، لأنه لن يحل جذر وأس الظاهرة وحده.