كلّ عام وأنتم كذلك

تشرين- إدريس هاني:

عام غريغوري جديد، لن نفتح حكاية التحقيق في التّأريخ الفعلي لرأس السنة، فقد يبدو للبعض غير ذي أهمية، لكننا سنمضي على المتداول، والمتداول ليس بريئاً، إنّ للزمن أثراً تكوينياً لمن أدرك سرّ الوجود وبنية الأكوان وجدل المواقيت.
عام جديد إذن، فما هي مخرجاته وما هو محصوله؟
سندخل عاماً جديداً، وعنوانه الأبرز خيبة أمل من نظام دولي عاجز عن تحقيق العدالة الدّولية، عام فقدت البشرية فيه الإحساس الكافي بالإنسانية التي كانت ومازالت عنواناً يصلح فقط لصناعة الحروب غير العادلة وخراب الدُّول.
عام غزّة الجريحة، عام النّفاق الدولي، سقوط نخبة الفكر الغربي، عام انحطاط النظام العالمي.
سندخل عاماً جديداً، والعرب مازالوا لم يستوعبوا جوهر مشكلتهم، مازال الانفعال سيد الموقف، مازال بأسهم بينهم شديداً، فيما التربة تنجرف من تحت أوطانهم، وحدتهم باتت بعيدة المنال، حتى عندما خضعت قضيتهم المركزية إلى وجبة عنف وحشية.
سندخل عاماً جديداً، والتّفاهة في ذروة الانتعاش، تضخّم في الخبراء المزيفين الذين ينفثون بوقاحة جهلهم البسيط والمركب أمام رأي عام غيّبته تحشيشة المغالطات، بينما ينسون أنّهم يقدمون مسرحياتهم الغبية أمام خبراء بالبنيات السيكو- باتولوجية لهذا الجيل الجديد من الـ«الباندية» في القارة الافتراضية «المزعبلة» ، محللون سياسيون كوحيد القرن، لهم في الربط بين الأحداث أسلوب تشيب منه الغربان والسنونو، مثقفون مزيفون حرفتهم حِطابة اللّيل، وإعادة إنتاج منهوبهم ومسروقهم بالنهار، مستغلين إعاقة الحشد في تمرير تفاهتهم بإيمائية السعادين، شاشات تجلد الذوق بأعمال فنية، بنجوم كاريكاتيرية، جرائم حرب فنّية، تتكرر بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة، نخبة مزيفة في قطاعات شتّى، عقاباً للمثقف، عام السمسرة والزّيف، عام التّفاهة بامتياز.
سندخل عاماً جديداً، والمافيا تعيث فساداً في المجتمعات، تخترق القطاعات، تستهتر بالمؤسسات، تنتهك قواعد اشتباك التدبير، تسمّم البيئة السياسية للحكامة والتنمية. وهو أيضاً عام الخونة أصحاب الدكاكين البائسة، وعام المزايدين بالوطنية غير الواعين بجوهرها، يلتقون في آخر المشوار، بمزاج مشترك، عام موت الضمير والتمسرح بالقضايا العادلة.
سندخل عاماً جديداً، ومازال أملنا بمستقبل أفضل، نستيقظ يوماً، بلا صخب، نشرب قهوة الصباح بلا أحقاد مجانية، يكون فيه الشعر شعراً والفكر فكراً والعلم علماً والبشر بشراً..
هذا لا يعني أنّه عام عديم الإنجازات، فلقد شهدنا الكثير من ذلك وهو ما يُبقي على أمل مفتوح، في بيئة دولية وإقليمية غير مشجعة، تصنع أمم الجنوب مفارقات، بعد عناء طويل واستحقاقات عصور الاستعمار.
في عام 2024 نتمنّى أن يدخل الخرّاطون والخراصون مساكنهم، في هُدنة غير مشروطة، بعيداً عن القصف اليومي للوسائط في ذروة الفوضى، للمؤطرين والمؤثرين والمخربقين والمتملّقين.. نتمنّى أن تستبرئ الأمم ما ران عليها من غباء وفساد الضمير، لكي تكون بشرية مأنوسة لا بشرية جلاّلة، ومع ذلك نحن متفائلون، وكل عام وأنتم في يقظة وصحو وانعتاق.

كاتب من المغرب

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار