فجأة وما إنْ انتهت الانتخابات البلدية والبرلمانية في صربيا، حتى قامت احتجاجات وتظاهرات بزعم أنّ نتائجها مزورة، وراحت الماكينة الإعلامية الغربية تضخم وتفبرك القصص والروايات استناداً إلى هذا الزعم، وبدأت حملة تحريض على النظام القائم بغية إسقاطه، ولا سيما أنّه النظام الذي لم يلتحق بالأنظمة التي تبدّلت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، والتي التحقت بالمعسكر الغربي.
لقد أسقط حلف «ناتو» الاتحاد اليوغسلافي، وأشعل حرباً ضَروساً هناك بين الدول الانفصالية، وشجّع الدول المنضوية بالحلف على الانفصال، فيما حافظت صربيا على استقلالها ولم تلتحق بالغرب، وبقيت على علاقة متينة مع روسيا، وجاءت الانتخابات لتكون فرصة لتدخل أميركا والغرب في الشؤون الداخلية لصربيا، وخاصة أنّ نتائج هذه الانتخابات كرّست استمرار النظام القائم، فقامت الدول الغربية وأميركا بتحريض الشارع الصربي ضد نتائج الانتخابات تحت مزاعم التزوير.
ويبدو أنّ استجابة الشارع الصربي جاءت ضعيفة وغير كافية لإعادة الانتخابات، ما أفشل محاولات«ناتو» من أجل إعادة هذه الانتخابات، وبقيت الأمور في إطار التشويش على النظام في وقت وقفت فيه روسيا إلى جانب الحكومة الصربية وأيدت نتائج الانتخابات، ويضغط الغرب وحلف «ناتو» باتجاه عدم الاعتراف بالنتائج لكونها مزورة، واختلاق مشكلة أمام النظام بزعم أنّه غير شرعي، وتأليب الشارع عليه.
وتتمسك روسيا اليوم بأن تكون صربيا بعيدة عن حلف «ناتو»، معتبرة أنّ هناك خطأ ارتكبه النظام الروسي السابق بعدم وقوفه ضد تفتيت الاتحاد اليوغسلافي، حيث أضحت الدول التي انفصلت عن بلغراد في صراع مع بعضها ومع صربيا بشكل خاص، وموسكو اليوم في وضع قوي يسمح لها أن تدافع عن صربيا وعن بقائها مستقلة، وترفض الانضمام إلى حلف «ناتو».
كان إسقاط الاتحاد اليوغسلافي تتمة لإسقاط الاتحاد السوفييتي، وعملت أميركا والغرب على تمزيقه في حرب شرسة قادتها أميركا استكمالاً لسقوط المعسكر الشرقي بأكمله، وابتعدت جميع الدول المنفصلة عن صربيا التي حافظت وحدها على علاقات مع روسيا، وحافظت على تراث تيتو الذي كان من قادة حركة عدم الانحياز التي لعبت دوراً متميزاً على الساحة الدولية.
ومن الواضح أنّ موسكو اليوم لن تفرط بصربيا وهي عازمة على ما يبدو على تقوية العلاقات معها، والحيلولة من دون انضمامها إلى حلف «ناتو» الذي يُناصب روسيا العداء، ويعمل على تطويقها بالدول الحليفة له.
والخلاصة أنّ النظام في صربيا قوي، ولن تؤثر معارضة مُصنّعة ومُبرمجة في موقف أغلبية الشعب الصربي الراغب في استمرار العلاقات الوطيدة مع روسيا، وعدم الانجرار وراء حلف «ناتو».