لإعادة الألق الاقتصادي والزراعي والتنموي إلى خزان دمشق الغذائي.. تشاركية بين «الزراعة» و«أكساد» و«الفاو» لإعداد خريطة استثمارية زراعية للغوطة الشرقية ضمن مبادرة «يد بيد»
تشرين_ رشا عيسى:
تحتل غوطة دمشق الشرقية أهمية استثنائية تحتاج عملاً دؤوباً لإعادتها إلى الدورة الاقتصادية الزراعية والغذائية، بعد توقفها عن دورها الغذائي الفعال، ليس على مستوى محافظتي دمشق وريفها فقط، بل على مستوى الوطن، بفعل الظروف المناخية أولاً، والتوسع بالبناء على حساب المساحات الزراعية ثانياً، ومن ثم بفعل الإرهاب الذي استوطن هذه البقعة الجغرافية المهمة لفترة من الزمن.
وجاء إعداد خريطة استثمارية زراعية للغوطة الشرقية في ريف دمشق ليكون في صلب أعمال الورشة التفاعلية التشاركية التي أقامها المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) بالتعاون مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، اليوم في فندق أمية بدمشق بغية إعادة هذه البقعة الجغرافية إلى الاستثمار الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ضمن مبادرة (يد بيد) التي أطلقتها ( الفاو) بالتشارك مع وزارة الزراعة و( أكساد).
التكامل في العمل
وأكد وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا أهمية التكامل في العمل بين وزارة الزراعة والمنظمات الدولية العاملة في سورية المهتمة بالشأن الزراعي وبقية القطاعات في ظل الظروف الحالية وخاصة ما يتعلق بالتغيرات المناخية وما تخلفه من آثار سلبية على الزراعة والغذاء.
خزان غذائي
وبيّن أن الورشة تكتسب أهميتها انطلاقاً من أن غوطة دمشق تعد خزاناً غذائياً لمحافظتي دمشق وريفها، وكانت تنتج كل ما تحتاجه نباتياً وحيوانياً، وتزخر بالموارد الطبيعية والإنتاج والخبرات، مشيراً إلى التكامل الذي كانت تتمتع بها هذه المنطقة من حيث الإنتاج النباتي والحيواني الذي كان يوفر أيضاً فرص عمالة كبيرة، لكن بعد التعدي على الغوطة الشرقية بفعل التعدي عليها بالبناء أدى إلى خسارة هذه الموارد، التي قضي عليها مؤخراً بفعل الإرهاب ما أدى إلى خروج الأراضي عن الاستثمار، وتخلي بعض المزارعين عن الاستثمار لعدم القدرة على توفير المواد الكافية، وارتفاع تكاليف الإنتاج وفقدان مصادر الري.
وأشار إلى أن مشروع (يد بيد ) الذي يبدأ من الغوطة الشرقية لنحقق التكامل بين نتائج القطاع الزراعي التي أثمرت عن إنتاج العديد من الدراسات والمحاور والمشروعات ومنها تحديداً مشروعات استراتيجية على مستوى كل محافظة وليس على مستوى الوطن، وتم وضع محاصيل استراتيجية لكل محافظة بغية تحقيق بعد اقتصادي وتنموي واجتماعي لسكان هذه المحافظات.
وقال قطنا: إن اعداد خريطة استثمارية في ريف دمشق سيتم اعتماده كنموذج لاحقاً عندما ندرب الكوادر الفنية والفلاحين على تطبيقات معينة على مستوى الأرض بغية نقل هذا الهدف إلى أماكن أخرى، مضيفاً: تم اختيار منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق لتطبيق المشروع، الذي بدأ تنفيذه في عام 2021 بالتعاون بين منظمة الفاو والاستشعار عن بًعد، وتم تنفيذ المرحلة الأولى منه، والآن ننفذ المرحلة الثانية بالتعاون مع المركز العربي أكساد، وذلك بهدف إقامة نموذج تنموي لإدارة الموارد الطبيعية الموجودة في المنطقة من أراض ومياه واستثمار الآبار وتوظيف هذه الموارد في خدمة الفلاحين، وتثبيتهم في الأرض، ووضع الممارسات الزراعية المثالية التي يجب تطبيقها للوصول إلى تحقيق أعلى كفاءة اقتصادية لاستثمار الموارد الأرضية ضمن دورات زراعية نمطية تعطى للفلاحين بإدارة المهندسين الزراعيين والخبراء من منظمتي أكساد والفاو وبالتعاون مع الباحثين في وزارة الزراعة.
التنمية الزراعية محور أساسي
بدوره المدير العام لمنظمة أكساد الدكتور نصر الدين العبيد بيّن أن قضية التنمية الزراعية تشكل محوراً مهماً من محاور التنمية البشرية والاقتصادية لكل دول العالم، وخاصة في ظل التغيرات المناخية التي ترخي بظلالها على كامل مساحة الوطن العربي الذي يعاني من عجز غذائي كبير، وما يشكله ذلك من تحديات تواجه الزراعة العربية، إضافة إلى الأزمات الداخلية والحروب التي تعاني منها المنطقة، مؤكداً ضرورة ابتكار وتطوير تقانات وحلول تساهم في إعادة الدور المهم الذي تتميز به الغوطة الشرقية، وإعادة الاستقرار إلى المنطقة ونسيجها الاجتماعي من خلال تضافر جهود خبراء «أكساد » وخبراء منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والشركاء في كل القطاعات التنموية التي ستساهم في تحقيق الأهداف المرجوة، مثمناً لسورية دورها في دعم العمل العربي المشترك رغم الظروف الصعبة التي تمر بها، مجدداً استمرار «أكساد» في تحليل الواقع الزراعي العربي، ووضع الرؤى والتصورات العملية للنهوض بالواقع الزراعي بالتعاون مع وزارات الزراعة في الدول العربية، حيث نفذت العشرات من المشروعات التنموية، محققة الكثير من قصص النجاح من خلال عمل خبرائها في شتى المجالات.
القضاء على الفقر والجوع
إلى ذلك،أكد ممثل منظمة( الفاو )بدمشق طوني العتل
أن مبادرة( يد بيد) التي أطلقتها (الفاو) منذ عام 2019 تهدف لتحسين و تسريع الاستثمار في القطاع الزراعي، وتحقيق الاستدانة فيه ،وفق هدفين تنمويين الأول، القضاء على الجوع، والثاني القضاء على الفقر من خلال الاستثمار في المجال الزراعي.
والمبادرة أطلقت في عدة دول ومن ضمنها سورية بعد تشارك مع وزارة الزراعة حيث حشدت الفاو من خلال مكتبها الاقليمي والقطري ومقرها الرئيسي لحشد الجهود لتقديم الدعم اللازم والوصول الى خطة استثمارية تستهدف منطقة واعدة وهي الغوطة الشرقية.
ويعتمد تنفيذ النبادرة وفقا للعتل على بناء قدرات فريق وطني يكون قادرا على تنفيذ العمل في أماكن أخرى من سورية، لافتا أن الفاو تؤكد التزامها واستعدادها لتقديم الدعم الفني لكل الشركاء بحيث تتحق الأهداف لدعم القطاع الزراعي .
إعادة الألق
بدوره،المهندس عبد الرحمن قرنفلة رئيس فريق (أكساد) لمشروع وضع خارطة استثمارية للغوطة الشرقية تحدث عن أهمية المبادرة لإعادة الألق إلى غوطة دمشق الشرقية التي تعرضت بعد تواجد العصابات الإرهابية فيها لاجهادات كبيرة جدا على مستوى الاقتصادي والزراعي والبيئي و الاجتماعي ما أدى لتراجع دورها.
وقال قرنفلة: إن الغوطة لاتمثل مساحة جغرافية خضراء فقط بل هي نسيج اجتماعي بيئي واقتصادي يساهم في دعم الامن الغذاىي.
وعن آلية العمل المرتقبة، شرح قرنفلة أنه سيتم تقييم الوضع الراهن وسيتم الانطلاق من محاكاة الواقع بالتعاون مع المزارعين ومربي الثروة الحيوانية وكل الأشخاص المسؤولين عن كامل السلسلة، مضيفا: سنستمع إلى الآراء والصعوبات، ونجري مسحا حقليا على أرض الواقع،من خلال زيارة نقاط محددة، ثم تدقيق هذه النقاط التي تم الحصول عليها من الورشة على أرض الواقع لنخرج بتصور يتضمن مقترحات قابلة للتطبيق لتعيد إلى الغوطة ألقها.
وأشار إلى أن خبراء (أكساد) لديهم خبرة بالعمل على إعداد خراىط مماثلة،حيث سبق وأن انجزوا خارطة استثمارية ل 12مليوم هكتار في السودان.
تحديد الأولويات
من جهته،الدكتور محمد العبدالله رئيس برنامج (سبل العيش)في (اكساد ) أوضح أن الغوطة الشرقية تعرضت لخروج غالبية البنى التحتية والمشاريع الصغيرة وسبل العيش من الخدمة وأصبحت خارج العمل ، ونطمح لتحليل الوضع الراهن، وتحديد أولوياته واحتياجاته من ثم وضع مجموعة من المشاريع التنفيذية ذات الأولوية الملحة على المدى القصير والمتوسط والطويل لتكون الأمور واضحة لأي مستثمر يرغب بالدخول بالاستثمار في الغوطة الشرقية.
تحليل الصعوبات
مدير زراعة ريف دمشق المهندس عرفان زيادة بين أن الورشة تهدف إلى معرفة الصعوبات التي يعاني منها الفلاحين والحلول المقترحة ليتم وضع التدخلات ضمن هذا المشروع، ورفد العملية الزراعية وتطويرها وتنميتها في الغوطة الشرقية لما لهذه المنطقة من أهمية زراعية على مستوى محافظة دمشق وعلى مستوى القطر، مشيرا إلى أن أعداد الثروة الحيوانية كبيرة في ريف دمشق،المترافقة مع مساحات واسعة للاراضي الزراعية ،وهذه الورشة تناقش هذين القطاعي النباتي والحيواني وتضع الخارطة المناسبة لاستثمارها بالشكل الأمثل.
وأوضح أن هذا التدخل جزء من عدة تدخلات قامت بها وزارة الزراعة منذ تحرير الغوطة عام 2018 بالتعاون مع المتظمات العربية والدولية.
وتجدر الإشارة إلى أن الورشة تستمر لمدة يومين بمشاركة ممثلين عن وزارات الزراعة والبيئة والموارد المائية واتحاد الفلاحين العرب والسوريين واتحاد الغرف الزراعية ونقابة المهندسين الزراعيين وكلية الزراعة في جامعة دمشق وممثلين عن بعض الجمعيات الاهلية المعنية بالقطاع الزراعي .