سيناريو سياسي اقتصادي عالمي يُهدد المنطقة.. وخبير اقتصادي يُحذر من أزمة اقتصادية تاريخية عنوانها الكساد
تشرين – بارعة جمعة:
ارتداداتٌ عبر العالم حملها الصراع في الشرق الأوسط، ضمن منطقة تُعد مورداً حيوياً للطاقة وممراً رئيسياً للشحن، وسط حالة من الضعف يمر بها الاقتصاد العالمي، متأثراً بالحرب الروسية -الأوكرانية العام الماضي، في حين تتجه الأنظار الآن للعالم العربي وما يحمله من اضطرابات خطيرة، تُهدد ما تبقى من اقتصاده الهش، الذي يواجه اليوم سيناريوهات عدة تعتبر الأخطر للحرب الدائرة في المنطقة، لما لها من تداعيات اقتصادية كبيرة ستطول الجغرافية العربية كلها، بما فيها سورية..
تباطؤ وركود
صدمتان ستحملان معهما قفزات كبيرة في أسعار النفط بنسبة 10%، وتحرك الأسواق المالية للعزوف عن المُخاطرة، تماشياً مع ما حدث خلال ما أطلق عليه الربيع العربي المشؤوم، حسبما ذكرت وكالة “بلومبيرغ” في تقريرها حول توقعات الاقتصاد العالمي في ضوء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، لكن يبقى السؤال … ما مدى توسع هذه الحرب .. وما هي السيناريوهات الاقتصادية المُحتمل حدوثها؟؟
تقرير اقتصادي: توقعات بارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولار وانخفاض النمو العالمي إلى 1.7 في حال توسعت جبهة غزة اقليمياً
في حال تحول الصراع إلى إقليمي وتدخلت دول جديدة فيه، ترتفع أسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل الواحد، كما سينخفض النمو العالمي إلى 1.7 ويحدث ركود ربما يقتطع قرابة تريليون دولار من الناتج العالمي، وذلك حسب تقرير الوكالة.
مؤشرات لم تأت عن عبث، بل هي انعكاس لما حصل في حرب تشرين التحريرية عام 1973، التي أدت إلى حظر النفط وسنوات من الركود التضخمي في الاقتصادات الصناعية، إلا أنه قد تمتد العواقب الأوسع نطاقاً من تجدد الاضطرابات في العالم العربي إلى الانتخابات الرئاسية في العام المقبل للولايات المتحدة الأمريكية، وفي كافة الأحوال، سيكون الاتجاه هو نفسه، أي ارتفاعاً بأسعار النفط ومعدلات التضخم وتباطؤ النمو، ولكن بنسب مختلفة، وفق التقرير.
أزمة دورية
ما يحدث لاقتصادنا اليوم ليس بمنأى عما يدور في فلسطين المحتلة، إنما هو أبعد من أن يكون محلي وأعمق من كونه إقليمياً وفق توصيف الدكتور في علم الاقتصاد جامعة دمشق عابد فضلية للواقع، كما أنه ليس مجرد اشتباكات مسلحة وحسب، بل صراع غير مباشر بين دول ومحاور وأقطاب، بدأته أمريكا والدول الغربية والمحور الرأسمالي عموماً، بإشعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا ومن خلفها جميع دول هذا المحور.
د. فضلية: ما يحدث لاقتصادنا ليس بمنأى عما يدور في فلسطين.. هو أبعد من أن يكون محلي وأعمق من كونه إقليمياً
ما يمر به العالم اليوم هو أزمة اقتصادية تاريخية دورية وفق د.فضلية، عواملها التضخم والركود .. مع وجود هاجس تحول هذا الركود إلى كساد، متمثلاً بأزمة الكساد العالم الكبير عام 1929، التي أدت آثارها إلى نشوب الحرب العالمية الثانية، وبالطبع كان المستفيد الأول منها اقتصادياً وفي كافة المجالات هو أمريكا، عبر بيعها الأسلحة التي تضاعف تصنيعها لديها ما بين عامي 1930 و1945 بحدود عشرة أضعاف وفق تأكيدات فضلية، لتصبح بذلك المُستفيد الأكبر من إعمار أوروبا ضمن مشروع “مارشال”.
تأثير مزدوج
هنا فقط بإمكاننا القول والتأكيد بأن التدخل الأمريكي والغربي المُعلن والشرس أسبابه اقتصادية وليس سياسية فقط، ضمن رؤية الصناعي عاطف طيفور للواقع الاقتصادي، كما أن افتعال الحروب بصفته عمل قذر يتّبعه الغرب بشكل دوري يهدف للخروج من الأزمات المالية والاقتصادية وإعادة تنشيط الموازنات لديه، فالجميع يسعى ضمن الأروقة السياسية والدبلوماسية والعسكرية، لذا يتوجب علينا استثمار الاقتصاد الذي عدّه طيفور فرصة ذهبية لتكثيف الأزمة الاقتصادية للغرب، علماً أنها الأقوى وتعادل جميع الجهود السياسية على حد تعبيره.
د. فضلية: ما سيحدث على المدى المتوسط والطويل يبدأ بإفلاسات مصرفية وتدهور بالبورصات، ما سينعكس سلباً على كل شيء
تضامن الشعب بتخفيض إنتاج النفط للحد الأدنى وتكاتف الحلف والمحور لزعزعة استقرار التوريدات العالمية تعد أيضاً فرصة قوية للرد اقتصادياً على الغرب وتعميق الأزمة الاقتصادية لديه برأي طيفور، بينما لافتعال أزمات اقتصادية داخلية له ومن ثم تأجيج الرأي العام لديه من الطرق الأنجح والأسرع للضغط على الحكومات السوداء وبالتالي تحجيم خططها، إلا أن الحذر ضروري برأي الصناعي عاطف طيفور من افتعال الأزمات والكوارث العالمية من قبل الغرب وأمريكا في بقع جغرافية متعددة، وهو ما يدعونا للترقب أكثر.
بوادر حرب جديدة
نُذُرُ شؤمٍ حملتها الحرب الروسية -الأوكرانية، تحمل في طياتها احتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة، فمن يتابع الحراك الدولي للتكتلات الاقتصادية بإمكانه أن يلمس الارتدادات السلبية الأمريكية الغربية على المبادرة الصينية (الحزام والطريق) وعلى ما تم الاتفاق عليه في قمة مجموعة دول “بريكس” الأخيرة وفق قراءة د. فضلية للأحداث، التي تلتها اتفاقية الطريق التجاري الدولي، الذي سيبدأ من الهند ويمر بالخليج العربي ويخرج بحراً من الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، ليصل إلى القارة الأوروبية.
د. فضلية: لن يقتصر ما يحدث في غزة على حدودها الجغرافية.. كافة الاحتمالات العسكرية واردة
هنا لا بد من النظر مجدداً لعلاقة هذه الأحداث بما يحصل في فلسطين وبما يتم التحضير له من صراعات في دول المنطقة برأي الدكتور عابد فضلية، حيث أن خروج النظام الرأسمالي العالمي لا يتم إلا من خلال تصدير الأزمات الداخلية التناحرية لدول هذا النظام، بواسطة اشتعال وتصنيع الحروب والنزاعات والحروب العسكرية، إلا أن هذه المرة يتم إشعالها خارج الحدود وبعيداً عنها، ويضيف فضلية شارحاً تكرار هذه المأساة: ” يحدث ذلك تاريخياً ودورياً منذ الأزمة الاقتصادية التي عانت منها الدول الغربية آنذاك، والتي حدثت عام 1870، لذا فإن ما تمر به دول العالم اليوم اقتصادياً وعسكرياً، والذي بدأ مع ما تم تسميته وقتها بالأزمة المالية العالمية عام 2007، يشكل بالنسبة لأمريكا والدول الغربية وربيبهم الكيان الصهيوني تربة خصبة لا فتعال ما يفعلونه”.
طيفور: تعميق الأزمات الاقتصادية فرصة ذهبية لتكثيف الضغوط على الغرب لأنها الأقوى وتعادل الجهود السياسية
نعم.. لن يقتصر ما يحدث في غزة الفلسطينية على حدودها الجغرافية، كما أن كافة الاحتمالات العسكرية التي يتوقعها المحللون السياسيون واردة برأي فضلية، أما عن الآثار الاقتصادية لما يحدث حالياً وما سيحدث على المدى المتوسط والطويل، يعود الدكتور في كلية الاقتصاد عابد فضلية ليؤكد بأنه سيكون مؤذياً لدول المنطقة وللكثير من دول العالم، حيث يبدأ التأثر السلبي عادة بإفلاسات مصرفية وتدهور بالبورصات، ما سينعكس سلباً على كل شيء، أما بالنسبة لسورية، التي تم إحداث ضرر اقتصادي وبنيوي منظم ومخطط فيها منذ عام 2011، فبالرغم من ذلك لم تتأثر أسعار الأسهم في سوق دمشق للأوراق المالية، لكونها محلية صرفة، ولأن حجم الضرر صغير نسبياً ( أسهم لـ 28 شركة مساهمة فقط)، كما اقتصر نوع معظم الأسهم المُدرجة فيها وفق فضلية على أسهم المصارف الخاصة، التي تستطيع أن تفرمل أي انخفاض حاد في أسعار أسهمها، أضف إلى ذلك – والحديث لـ د. فضلية – أن اقتصادنا بسيط ( زراعة، صناعات تحويلية) وتقنيات هذه الأنشطة متواضعة وشبه يدوية، ولأن معظم منتجاتها غذائية ضرورية ومطلوبة ومرغوبة من قبل العديد من الدول في الخارج، منها السعودية ودول الخليج العربية.