مجزرة المعمداني تدحرج أسرع كرة المنطقة باتجاه «الحرب الكبرى».. الكيان الصهيوني أفقد بايدن أهم أوراقه الرابحة.. ومعادلة «انتهى الوقت» سنشهد قريباً أول ترجمة لها
تشرين- مها سلطان:
لا نحتاج كثير عناء لنستشف ما ستنتهي إليه زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى «إسرائيل» ما دام المكتوب مقروءاً من عنوانه، وعنوانه أن بايدن كان أول شيء فعله بعد وصوله مباشرة هو تبرئة الكيان الإسرائيلي من دماء ضحايا مجزرة مشفى المعمداني في غزة، ليكون شريكاً في الجريمة الإسرائيلية. ورغم أن هذا الموقف كان متوقعاً، وعليه لم يُثر لدى أي أحد اندهاشاً أو استغراباً، إلا أن بايدن يُخطئ كلياً إذ يعتقد أنه يستطيع إصلاح ما أفسدته المجزرة، أو العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
البداية كانت من إلغاء ما سُمي القمة الرباعية في العاصمة الأردنية عمان، ورغم ما قيل، سلباً أو إيجاباً، حيال هذا الإلغاء، إلا أنه يمثل دليلاً مباشراً على أن التطورات التي ستتضاعف سخونتها في المنطقة بعد مجزرة مشفى المعمداني، لن تنتظر ما ستخرج به زيارة بايدن.. وجميع المؤشرات تشير إلى أننا أقرب إلى انفجار جبهات أخرى.. وهناك من قالها صراحة: «لقد انتهى الوقت».
جبهة غزة التي هدأت اليوم، مع زيارة بايدن، حيث كان هناك تعليمات لجيش الاحتلال للتوقف عن القصف، فيما ما زالت غزة ثكلى على أبنائها.. هذه الجبهة التي هدأت اليوم لن تنفجر مجدداً بالصورة نفسها، لا على مستواها كجبهة فلسطينية، ولا على مستوى الجوار. العدو الإسرائيلي يُدرك ذلك جيداً، ومعه الأميركي، وإذا كان جو بايدن برأ «إسرائيل» من جريمتها فإنه لا يستطيع بأي حال احتواء ما ستواجهه في اليوم التالي، و«اجتماع الحرب» الذي عقده مع أركان العدو الإسرائيلي اليوم لن يكون بمقدوره تحديد علامة واحدة واضحة لشكل وحجم الجبهة التي ستنفجر، أو نقطة البدء، أو كيف سيكون الرد، رغم كل ذلك التحشيد العسكري الأميركي عالي المستوى في شرق المتوسط دعماً للكيان الإسرائيلي وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
إذا كان جو بايدن برأ «إسرائيل» فإنه لا يستطيع بأي حال احتواء ما ستواجهه في اليوم التالي.. ولن يكون بمقدور واشنطن تحديد علامة واحدة واضحة لشكل وحجم الجبهة التي ستنفجر بعد غزة.. أو نقطة البدء.. أو كيف سيكون الرد؟
بعد مجرزة مشفى المعمداني، لا يستطيع بايدن التعويل على أطراف في المنطقة لفرملة عملية توسيع جبهة طوفان الأقصى، هذه المجزرة المتعمدة بصورة واضحة جداً، وضعت الأطراف المعنية بالفرملة في أحرج وضع، سواء أمام الرأي العام الداخلي الذي هبَّ قلباً واحداً ونفساً واحداً وخرج إلى الشوارع، ولا يزال في الشوارع، سخطاً وغضباً، واستعداداً للقتال إلى جانب المقاومة الفلسطينية وهو ما مثل ضغطاً مضاعفاً فوق ما مثلته هذه المجزرة..
.. وسواء أمام حقيقة أن المخطط الإسرائيلي لما يسمى «فلسطين البديلة» خرج بكل قوة وعلانية، وبكل ما يختزنه المحتل من وقاحة وصفاقة في العرض وفي استغلال التوقيت ومحاولة قلب معادلة طوفان الأقصى لمصلحته، وما دام المجتمع الدولي /الغربي/ يرفض إدانة عدوانه المستمر على غزة منذ يوم الثامن من هذا الشهر وحتى الآن، فلا بأس أن يُكمل المخطط ويعمل على تحقيقه من خلال ستار من القصف المتواصل على غزة وتهجير أهلها، كمرحلة أولى.
لا تستطيع هذه الأطراف، وهي المستهدفة بصورة رئيسة في هذا المخطط ، سيادة استقلالاً، وقراراً وطنياً، أن تغض الطرف، أو تتهاون. لذلك حتى لو انعقدت القمة الرباعية ما كان لها أن تنجح.. فكيف هو الحال اليوم بعد مجزرة مشفى المعمداني.
ربما قبل أن يُنهي بايدن زيارته (ولا نعرف إن كان سيتوجه إلى دول في المنطقة، حيث لم يُعلن بعد جدولاً جديداً لأعماله..) ربما قبل أن تنتهي هذه الزيارة سنرى ترجمة عملية لما بعد مجزرة مشفى المعمداني، وعلى مرأى من بايدن، وأساطيله التي يحشدها بحراً، عندها كيف سيكون موقف بايدن، وماذا يمتلك من خيارات؟
لم يعد بإمكان واشنطن التعويل على أطراف في المنطقة لاحتواء طوفان الأقصى.. المجزرة وضعت هذه الأطراف في أحرج وضع أمام الرأي العام الداخلي وأمام حقيقة النيات الإسرائيلية من وراء تهجير أهل غزة
لنلاحظ أولاً أنه خسر بداية الأطراف – آنفة الذكر- التي كبلتها المجزرة، وجعلتها عاجزة عن التأثير، وهذا التأثير هو ما كان بايدن يقول إنه يعول عليه لـ «بلورة مقترحات ترد في سياق صيغة حل سياسي يقوم على فكرة أميركية مفادها أنه في حال لم يرد الآخرون لإسرائيل مواصلة العملية العسكرية، فالمطلوب أن توافق الدول العربية المؤثّرة في الملف الفلسطيني، ولا سيما مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، إلى جانب قطر والسعودية وتركيا، على اقتراح بفرض وصاية خارجية على القطاع، من ضمن خطة تستهدف نزع سلاح قوى المقاومة».
ولنلاحظ ثانياً، أن مسألة «الهدنة الإنسانية» ولو لساعات لم تعد واردة، إذ ما فائدتها إذا كانت المجازر الإسرائيلية ستستمر، وكيف يمكن للأطراف العربية والدولية دعمها، إذا كانت ستضعها موضع الإدانة، إذا لم يتضمن أي قرار دولي يصدر تجريماً واضحاً للكيان الإسرائيلي ومحاسبة له أمام المحاكم الدولية.
ولنلاحظ ثالثاً، أن كل صيغة سيطرحها بايدن أمام أي طرف في المنطقة لن تكون مقبولة، طالما ليس هناك رغبة أميركية في كبح المجازر الإسرائيلية، ولا يبدو أن هناك رغبة قائمة أو ستقوم ونحن نسمع بايدن يقول إنه جاء إلى «إسرائيل» لتأكيد كامل الدعم لها، حتى بعد مجزرة مشفى المعمداني.
قبل أن تنتهي زيارة بايدن سنرى ترجمة عملية لما بعد مجزرة المعمداني وعلى مرأى منه وفيما أساطيله التي حشدها بحراً تنتظر.. عندها كيف سيكون موقف بايدن وماذا يمتلك من خيارات؟
في مجمل التقارير التي يتم تداولها عن جدول أعمال بايدن، والتي بلا شك خضعت لنوع من التغيير بعد المجزرة، فإن الأطراف المعنية (العربية في المنطقة) هي جانب أساسي، بل رئيسي، في أي نجاح يريد أن يحققه بايدن حيال تهدئة الجبهات ومنع اتساعها، حسب ما يقول، أو بعبارة أوضح حسب ما تهدد به أميركا.
الآن، كيف سيكون الوضع، هل لدى أميركا أو كيانها تصور واضح؟
لا نعتقد ذلك، المقاومة فقط هي من لديها الجواب، وجوابها ستعلنه قريباً، وقبل أن يغادر بايدن.. لننتظر ونرَ.