ملف «تشرين».. رغم المسؤوليات الجمّة.. حضور مجالس الإدارة المحلية باهت.. وخطا استعادة الدور الفاعل لا تتململ

تشرين – وليد الزعبي:
لا تغيب رائحة المنفعة بخلفيات مشبوهة لدى بعض مجالس الإدارة المحلية وخاصة من وراء المشروعات التي تنفذ بموجب تعهدات خاصة، سواء تلك المتعلقة بالطرق أم الصرف الصحي والإنارة بالطاقة البديلة وغيرها، على قاعدة متعهد ومستفيد، وذلك لاشك يأتي على حساب جودة التنفيذ في ظل غض الطرف من جهاز الإشراف، كذلك فإنّ المصالح الشخصية حاضرة في عدد من المجالس، إذ قد يتم توجيه تنفيذ المشروعات بانتقائية تبعاً للمحسوبيات، لا بموجب سلم أولويات يراعي الاحتياجات الفعلية للسكان، ويلاحظ أن هناك تفرداً من بعض رؤساء المجالس المحلية بالقرارات، وما على أعضاء المجالس المحلية إلّا الحضور الشكلي في الاجتماعات الدورية والتوقيع، كما أن هناك بعداً عن التشاركية مع المجتمع المحلي في بعض المناطق، وهذا يعد من أهم عوامل تأخر نهوض عمل مجالس الإدارة المحلية وانعكاسها على بقاء الواقع الخدمي متدنياً في مختلف المجالات.
ضعف
الواقع أن حضور مجالس الإدارة المحلية لا يشفي الغليل، واستعادتها للدور الذي تراجع بشكل كبير خلال سنوات الحرب على سورية لم يحصل بعد، ومسوغات تدني الأداء وغياب الفاعلية بخصوص المهام الموكلة إليها تعد ولا تحصى، في مقدمتها شماعة الظروف وعدم توفر الإمكانات والاعتمادات.

تعيين مدير مدينة أو بلدة حضر نصاً وغاب واقعاً؟

إنّ المتتبع لواقع الواردات وخاصة منها الجباية، يلاحظ أنها بالحدود الدنيا في بعض الوحدات الإدارية أو معدومة في أخرى، بالرغم من أنّ الفعاليات القائمة في إطار عمل تلك الوحدات كثيرة إن لجهة المتاجر والحرف أو غيرها، وفي بعضها فعاليات كبيرة كالمنشآت الصناعية وغيرها، وبالتوازي فإنه لم تنشأ ضمن نطاق عمل مجالس الوحدات الإدارية أي مشروعات تنموية تلائم طبيعة كل منها، باستثناء عدد محدود وخجول في عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وكيف ستنشأ وهي لا تزال تستجدي الإعانات لسداد رواتب موظفيها والقيام ببعض المشروعات الترقيعية؟ ولولا هبّة المجتمع الأهلي في عدة مدن وبلدات بهمة أهل الخير والمغتربين لجمع مبالغ مالية بمئات الملايين من الليرات لما تم التمكن من حل مشكلة مياه الشرب عبر تغذية آبارها بالطاقة البديلة، وكذلك المساهمة في تحسين واقع أداء خدمات أخرى عبر تغذية بعض المراكز الهاتفية والمراكز الصحية بمنظومات الطاقة البديلة، وحتى تقديم مراكز تحويل كهربائية.
الآلية لا تأتي بالخبرات
إنّ الآلية المتبعة وخاصة ضمن الظروف الراهنة تفرز على الأغلب رؤساء مجالس إدارة محلية من جهات أخرى، وعلى سبيل المثال ممن يعملون في قطاعات الري والكهرباء والمياه والتربية وغيرها، وهؤلاء لا شك لا يمتلكون أي خبرات بقوانين وأنظمة عمل الإدارة المحلية، لذلك يأتون للموقع كأنه للوجاهة، فلا يستطيعون تقديم أي إضافة للعمل، وقد يديرهم عمال عاديون ضمن الوحدة الإدارية على هواهم، فتتشتت المسؤوليات ويتراجع الأداء، والمنعكس تدني في مستوى مردود الخدمات على المواطنين في مختلف المجالات، وهنا يأتي السؤال المهم: لماذا لم يتم تعيين مدير مدينة أو بلدية وفق ما نص عليه القانون، بالرغم من أن مثل هذا المدير حسب الصلاحيات الممنوحة له كفيل بأن يكون صمام الأمان لبقاء سير العمل مستقراً حتى لو تبدل أو غاب رئيس المجلس؟ والجواب قد لا يحتاج إلى الكثير من العناء لمعرفته، فهو يعود لأن رؤساء المجالس لا يرغبون بتعيين مثل ذلك المدير، لكي يبقوا متفردين بقراراتهم ولا يشاركهم أحد المسؤولية حتى لو أدى ذلك إلى تدهور واقع العمل.
لا مدير مدينة أو بلدة

من باب الاستئناس بالآراء حول مقترحات النهوض بعمل الوحدات الإدارية بشكل عام على مستوى المحافظة، وطرق ضبط جودة التنفيذ والتجاوزات التي قد تحصل، سألنا المهندس نعيم الجاحد رئيس الدائرة الفنية في مجلس مدينة درعا، فأشار إلى أهمية تعيين مدير المدينة أو مدير البلدة، الذي نصّ عليه قانون الإدارة المحلية ولم يتم الأخذ به في جميع مجالس مدن وبلدات المحافظة،

محاصرة المنافع المشبوهة والمحسوبيات تستدعي

تفعيل الرقابة الرسمية والشعبية وضوابط صارمة

لافتاً إلى أن وجود هذا المدير ومن الخبرات المتفهمة لقانون الإدارة المحلية وتطبيقاته، لا شك بأنه سيسهم في استمرار سير أعمال الوحدات الإدارية بالمستوى المطلوب، وخاصةً أنه قد يأتي كل دورة رئيس مجلس مدينة أو بلدة من خارجها، وعلى الأغلب ليس لديه أي خبرة بعمل الإدارة المحلية وأنظمتها، وهنا يأتي دور مدير المدينة أو البلدة حيث يسهم في استمرار سير الأعمال ضمن محدداتها وبوتيرة مستقرة من دون أي إرباك أو ارتجال، وبيّن أنه في حال وجود ذلك المدير يمكن لرئيس المجلس مع المكتب التنفيذي وأعضاء المجلس التفرغ لإعداد الخطط وتحديد المشروعات والأولويات والعمل باتجاه تنفيذها، وأمل بالعمل باتجاه تعيين مدير مدينة أو بلدة في كل الوحدات الإدارية بأسرع ما يمكن.
تدعيم الرقابة
ولجهة إمكانية ضمان عدم وجود خلل بتنفيذ المشروعات وبقائها عند المستويات المقبولة، ذكر الجاحد أن المشكلة تتمثل بعدم وجود كوادر كافية، حيث يتم أحياناً تكليف شخص واحد بالإشراف، وهذا ما قد يسهل عملية التواطؤ أحياناً بين ذلك الشخص والمتعهد، ولا بدّ من تدعيم الكوادر من أجل تشكيل لجان للتدقيق في الأعمال ومتابعتها، وحتى تشكيل لجان محايدة من خارج الوحدات الإدارية للاطلاع على الأعمال والتأكد من جودتها وتلافي أي خلل أو سوء تنفيذ لها، وخاصة في ظل تقدم متعهدين لمشروعات بكسر كبير على السعر الوارد في كشوفات الأعمال التقديرية، التي بالكاد تحقق ربحاً لهم وخاصةً مع تقلبات الأسعار، وهذا ما يعزز أهمية وجود لجان إشراف من الوحدات الإدارية وكذلك من خارجها للتأكد من أن هذا الكسر لن يكون على حساب جودة العمل وبالتالي ضمان تحقيق المشروع لغاياته.
القانون نصّ على تعيينه
من جهته أشار رئيس الدائرة القانونية في مجلس مدينة درعا محمد خير أبا زيد إلى أن قانون الإدارة المحلية نصّ على إحداث وظيفة مدير من الفئة الأولى في المدن والبلدات وتعد مضافة إلى ملاكها، وهو يتولى تنظيم الجداول لأعمال المجلس والمكتب والتحضير لدوراتهما والدعوة لها ومتابعة القرارات الصادرة عنها ورفع مشروعات القرارات والخطط والبرامج للمجلس، وكذلك رفع الخطط السنوية للمكتب التنفيذي للتصديق عليها وإحالة الموضوعات المطلوب عرضها إلى اللجان المختصة في المجلس ودراستها قبل عرضها، ومتابعة تنفيذ خطط المدينة أو البلدة والإشراف المباشر على إدارات المدينة أو البلدة ومتابعة أعمالها، ودراسة الموضوعات التي ستعرض على المجلس وتقديم النتائج لرئيس المجلس تمهيداً لعرضها على المجلس، والتنسيق بين جهاز الوحدة الإدارية وباقي الهيئات والجهات العامة في الوحدة والمحافظة، ووضع الخطط الإدارية والمالية لشؤون المدينة أو البلدة، وإعداد برنامج المشروعات المقترح القيام بها خلال السنة المالية، وأيضاً إعداد مشروع الموازنة والحساب الختامي وعرضها على رئيس المجلس تمهيداً لعرضها على المجلس وغيرها من المهام.

آلية وصول رؤساء المجالس تفرز العديد ممن يفتقدون الخبرة

بالإدارة المحلية.. والمنعكس تشتت المسؤولية وغياب الرؤى

وبالنسبة لجهة الرقابة فإن المجالس المحلية ومكاتبها التنفيذية -وفق ما ذكر أبازيد- تخضع للرقابة الرسمية والشعبية وفق ما حدده قانون الإدارة المحلية، بشكل يضمن سير أعملها وفقاً للقانون، وفي حال وجود أي مخالفات أو خلل في عملها فإن هناك إجراءات تتخذ تجاهها بموجب القانون، يضاف لذلك أن هناك رقابة داخلية ورقابة من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، يتم من خلالها التدقيق بشكل دوري بسلامة العقود والصرفيات وعمل لجانها واتخاذ الإجراءات في حال وجود أي خلل حسب الأنظمة النافذة.
تفريغ المكتب التنفيذي
رئيس الدائرة القانونية أوضح لجهة نقص الكوادر، أنه لابدّ من الإشارة إلى أن سببه تدني الأجور وعدم إعطاء الصلاحية للوحدات الإدارية بإجراء مسابقات واختبارات التعاقد والتعيين، وخاصةً أن المسابقة المركزية التي جرت كان أغلب المعينين خلالها من العناصر النسائية، في حين أن كل عمل الوحدات الإدارية هو ميداني يحتاج إلى الذكور بمختلف التخصصات.
وأضاف: كذلك بالنسبة لأعضاء المكاتب التنفيذية، يجب أن ينص قانون الإدارة المحلية على تفريغهم حكماً في الوحدات الإدارية، حيث إن القانون الحالي لا يفرغ حكماً سوى رئيس المجلس والنائب، أما الآخرون فهذا متروك لرغبة عضو أو اثنين فقط وباقتراح رئيس المجلس وموافقة الوزير، وذلك لما له من دور في تدعيم الكوادر والمساهمة في أداء المهام بالمستوى المقبول في مختلف القطاعات وحسب اختصاص كل منهم أو القطاع المكلف به.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. تباين آراء في فساد المجالس المحلية ..خبير يتهم ثغرات القانون.. ومشرّع يراه عصرياً

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار